في زوايا البيوت القديمة، وتحت طبقات الغبار
التي تغطّي الذكريات، تختبئ قصص لم تُروَ بعد، تنتظر من يكتشفها. ليست كل
المغامرات في الغابات أو فوق الجبال، بل أحيانًا تبدأ من مكان بسيط، مثل سلّم
خشبي مائل في حديقة منسية.
هذه قصة سارة، فتاة صغيرة بفضول كبير، قادها
قلبها الشجاع إلى غرفة مهجورة، ورسائل من الماضي، وأسرار مدفونة في زوايا المدينة.
بين السطور، ستكتشف أن أعظم الكنوز لا تُقاس بالذهب، بل بالذكريات، والحب،
والشجاعة التي نملكها لنتبع حدسنا.
هيا نبدأ الرحلة من أول درجة على ذلك
السُّلَّم القديم.
قصة سارة والسلم
في أحد الأحياء القديمة، حيث تتعانق بيوت الطين
وتتدلّى النباتات من النوافذ، عاشت فتاة صغيرة تُدعى سارة. كانت في العاشرة من
عمرها، مليئة بالحيوية والفضول، تملك عينين لامعتين كنجمتين، وشَعرًا كستنائيًا
يرقص على كتفيها كلما ركضت في أزقة الحي.
لكن ما كان يُميز سارة عن باقي الأطفال، هو
حبّها الشديد لاستكشاف كل ما هو غامض. لم تكن تخاف من الزوايا المظلمة أو من القصص
التي تحكيها الجدّات عن الأرواح والكنوز المخفية. بل كانت تبتسم حين تسمعها،
وكأنها دعوة لمغامرة جديدة.
في أحد الأيام، وبينما كانت سارة تلعب في فناء
منزلهم، لاحظت شيئًا غريبًا في الحديقة الخلفية القديمة التي هجرتها العائلة منذ
سنوات. كان هناك سُلَّم خشبي طويل، مائل قليلاً ومغطّى بالغبار والعناكب، يتكئ على
جدار صغير يُخفي خلفه بناءً مهجورًا لم تلاحظه من قبل.
اقتربت سارة بحذر، حدّقت في السُّلَّم، ثم رفعت
نظرها نحو السقف المغطّى بألواح خشبية متهالكة. لم تكن تعرف إلى أين يؤدي، لكن
شيئًا في قلبها أخبرها أن هناك شيئًا ينتظرها في الأعلى.
ركضت نحو المنزل وهي تهتف:
–
"ماما! هل نستطيع إصلاح السُّلَّم في الحديقة؟
أظن أنه يؤدي إلى مكان لم أره من قبل!"
لكن أمها كانت منشغلة، ولم تعر طلبها اهتمامًا.
–
"سارة، لا تلعبي هناك. ذلك السُّلَّم قديم وخطر.
لا تقتربي منه."
لكن كلمات الأم لم تكن كافية لتطفئ نار الفضول
في قلب الصغيرة.
في اليوم التالي، حين خفّت حركة البيت، تسللت
سارة نحو الحديقة وهي تحمل في جيبها كشافًا صغيرًا وحقيبة قماشية بها بعض البسكويت
ودفترًا للرسم. وقفت أمام السُّلَّم، ترددت للحظة، ثم وضعت قدمها على الدرجة
الأولى.
أصدر السُّلَّم صوتًا خفيفًا، لكنه صمد. درجة
بعد درجة، صعدت سارة ببطء، تمسك بجوانبه بقوة، حتى وصلت إلى السطح. وهناك، وجدت
بابًا صغيرًا من الخشب، نصفه مفتوح.
دفعت الباب ودخلت، كان المكان عبارة عن غرفة
مهجورة، مليئة بالغبار والكتب القديمة والصناديق المقفلة. شعرت سارة وكأنها دخلت
عالمًا آخر، مكانًا توقّف فيه الزمن.
اقتربت من أحد الصناديق، فتحته بحذر، فوجدت
داخله أوراقًا صفراء، ورسائل قديمة كتبت بخط جميل. بدأت تقرأ:
"إلى من يجد هذه الرسالة، هذه الذكريات تخصّ عائلتنا، وقد خبّأتها هنا
لأحفظها من النسيان.
أنا يوسف، جدّكِ الأكبر، وهذه أوراق رحلتي
الطويلة.
ارتعشت
يد سارة، لم تصدّق. هل هذا المكان كان يومًا ما مخبأً لعائلتها؟ هل هذه الرسائل من
أناس كانوا جزءًا من حياتها دون أن تعرفهم؟
مرّت ساعات وسارة منغمسة في قراءة الرسائل،
تتعرّف على مغامرات جدها الأكبر، الذي كان مسافرًا، يكتب عن بلدان بعيدة، عن حبّه
الأول، وعن كيف بنى هذا البيت بيديه.
كان هناك أيضًا دفتر ملاحظات صغير كُتبت عليه
عبارة:
"لمن تملك الشجاعة لتتسلق السُّلَّم، هذا العالم ملكك."
ابتسمت سارة، وأحسّت بأنها لم تكتشف مكانًا
فحسب، بل اكتشفت جذورًا وهوية، وكنزًا أغلى من الذهب.
عادت سارة إلى السطح، ثم نزلت السُّلَّم بحذر.
عندما وصلت إلى الأسفل، ركضت نحو أمّها وهي تصرخ بفرح:
–
"ماما! وجدت غرفة في الأعلى، مليئة برسائل جدنا!
هل تعلمين أن اسمه كان يوسف؟!"
نظرت الأم إليها بدهشة، ثم اقتربت منها وسألتها:
–
"يوسف؟ نعم، كان جدّ والدي، لكنه اختفى قبل أن
نولد. لم نعرف الكثير عنه."
أخذت سارة يد والدتها وقادتها نحو السُّلَّم.
هذه المرة، صعدتا معًا.
ومنذ ذلك اليوم، تحوّلت تلك الغرفة إلى مكان
سحري، تقضي فيه سارة وأمّها ساعات طويلة في قراءة الرسائل، وتنظيف المكان، وتحويله
إلى مكتبة صغيرة للعائلة.
وفي أحد الأيام، وبينما كانت سارة تنظّف زاوية
الغرفة، شعرت أن الأرض تهتز تحت قدميها. لاحظت أن إحدى الألواح كانت مفككة. رفعتها
بحذر، لتجد صندوقًا صغيرًا من الحديد، بداخله دفتر مذكرات آخر ليوسف. لكنه كان
مختلفًا... كان مليئًا بالرموز والألغاز.
بدأت سارة تفكّ الرموز بمساعدة صديقتها
المقرّبة ليان. وقادهما الدفتر إلى رحلة عبر المدينة القديمة: من المكتبة العامة،
إلى الساحة العتيقة، ثم إلى نافورة مهجورة. في كل مكان وجدت سارة لغزًا جديدًا،
وخطوة تقودها نحو الموقع التالي.
وكانت الخطوة الأخيرة في سرداب مظلم تحت المسجد
القديم، حيث واجهت سارة خوفها من الظلام. دخلت رغم تردّدها، وهناك وجدت صندوقًا
آخر فيه كاميرا قديمة بها صور ليوسف مع العائلة. كانت الصورة الأخيرة تحمل عبارة:
"إذا وصلتِ إلى هنا، فأنتِ من تملك الشجاعة والذاكرة. حافظي على القصص، لأنها
الحياة."
بعد هذه المغامرة، قررت سارة مع أمها تحويل
الغرفة القديمة إلى معرض صغير لزوار الحي، يضم الرسائل، الصور، والكنوز الصغيرة
التي جمعها يوسف.
كبرت سارة، لكنها بقيت دائمًا راوية الحي
الصغيرة، تُعلّم الأطفال أن أعظم المغامرات تبدأ بخطوة واحدة، على سُلَّم قديم.
إقرأ أيضا: