في قديم الزمان، حيث كانت الممالك تدار بالحكمة، والعروش تُحكم بالعقل والعدل، عاش ملك حكيم اشتهر بين الشعوب بعدله وسداد رأيه. أنجب هذا الملك ثلاث بنات جميلات، كنّ زهرات قصره ونبض قلبه. لكن كما هو حال الحياة، لم تخلُ الأيام من الامتحانات، وكان للملك اختبار غريب أراد به أن يعرف من منهن تستحق أن تحمل إرث حكمه وعرشه. ومن هنا تبدأ قصة الملك وبناته الثلاث.
قصة الملك وبناته الثلاث، قصص ملكية قديمة، قصص خيالية طويلة، قصص عربية، قصص الحكماء، قصص عن الحكمة والعدل، حكايات بنات الملك، قصص تعليمية للأطفال
قصة الملك وبناته الثلاث للأطفال الصغار.
الملك الحكيم والقرار المصيري
كان الملك "النعمان" يعيش في قصر فخم محاط بالحدائق الواسعة والأنهار الجارية. وكان معروفًا بين الملوك بالحكمة والعدل. بلغ من العمر ما جعله يفكر بجدية في من ستخلفه في الحكم، وكان له ثلاث بنات: ليلى، وجميلة، ورُبى.
كان يحب بناته الثلاث حبًا جمًا، لكنه أراد أن يتأكد: من منهن ليست فقط الأجمل والأحب، بل الأجدر بالحكم، الأكثر حكمة، والأوفى لوطنها.
سؤال الملك الغريب
في أحد الأيام، جمع الملك بناته الثلاث في قاعة العرش وقال لهن:
"أريد منكن أن تجيبنني عن سؤال واحد فقط: كم تُحببنني؟ وإجابتكن ستُحدد مصيركن."
اندهشت الأميرات من هذا السؤال، فهو غريب ومُبهم. لكنهن أصغين للملك وأجبن واحدة تلو الأخرى.
إجابة ليلى العاطفية
قالت ليلى، الابنة الكبرى، بثقة:
"أبي العزيز، أنا أحبك أكثر من كنوز الأرض، أكثر من الذهب والياقوت."
ابتسم الملك لكنه لم يُعلّق.
إجابة جميلة المغرية
قالت جميلة، الابنة الوسطى، بنبرة حالمة:
"أحبك يا أبي كحبي لأجمل ما في الدنيا: الثياب الفاخرة، والقصور المذهّبة، والمجوهرات النفيسة."
ابتسم الملك مرة أخرى، ولكن عينيه بدا فيهما تساؤل عميق.
إجابة رُبى الغريبة
جاء دور رُبى، الابنة الصغرى، وكانت الأقرب إلى قلبه. نظرت إلى والدها بعينين هادئتين وقالت:
"أبي، أحبك كحبي للملح في الطعام."
صُدم الملك! الملح؟ كيف تجرؤ ابنته على تشبيهه بشيء رخيص وبسيط؟! غضب الملك وصرخ:
"إذهبي من قصري، فأنتِ لا تقدّرينني حق قدري!"
وبالفعل، أمر الحراس بإبعاد رُبى عن القصر.
حياة رُبى في الغربة
خرجت رُبى من القصر وهي لا تفهم سبب الطرد. سارت في الطرقات حتى وصلت إلى قرية بعيدة. رحّب بها أهلها، وعاشت في بيت امرأة طيبة كانت تطهو الطعام وتساعد الفقراء. تعلمت رُبى كيف تعيش حياة بسيطة، مليئة بالحب والمساعدة.
في تلك القرية، أصبحت معروفة بحكمتها وطيبة قلبها. ولم تكن يوماً حاقدة على والدها، بل كانت تدعو له كل ليلة.
وليمة بلا ملح
مرّت سنوات، وبدأ الملك يشعر بالندم، لكنه لم يُظهر ذلك. في أحد الأيام قرر أن يُقيم وليمة كبرى دعا فيها جميع أهل القصر والقرى المجاورة.
وبينما كان يتناول الطعام، لاحظ أن كل الأطباق خالية من الطعم. سأل الطباخ غاضباً:
"ما هذا؟! أين التوابل؟! لماذا طعامي بلا نكهة؟"
فرد الطباخ بتوتر:
"يا مولاي، كل التوابل موجودة... إلا الملح، فقد نفد منذ أيام."
تجمد الملك مكانه، وتذكر فجأة كلمات ابنته رُبى: "أحبك كحبي للملح في الطعام."
ندم الملك ودموع الاعتراف
جلس الملك بصمت، وبدأت الدموع تنهمر من عينيه. لقد فهم أخيراً مغزى كلام ابنته. لم تكن تقصده بالإهانة، بل كانت تريد القول إن حبها له ضروري وأساسي كحاجة الإنسان للطعام المتوازن: بسيط، لكن لا غنى عنه.
أمر فوراً بالبحث عن ابنته، وأرسل الفرسان في كل اتجاه.
اللقاء المنتظر
بعد أيام من البحث، وجدوها في القرية، تساعد في طهي الطعام وتخيط ثياب الفقراء. ركع أمامها الفارس وأخبرها أن الملك يطلب رؤيتها فورًا.
عادت رُبى إلى القصر في موكب مهيب. وعندما دخلت قاعة العرش، وقف الملك، ثم ركع أمامها وقال:
"سامحيني يا ابنتي... لقد كنت أحمقاً."
ابتسمت رُبى ودموع الفرح في عينيها:
"أنا لم أحملك في قلبي يوماً إلا حباً يا أبي."
تتويج الحكمة
قرر الملك أن تكون رُبى هي التي تخلفه على العرش، ليس فقط لأنها أحبته بصدق، ولكن لأنها أثبتت حكمتها وتواضعها وصبرها.
ومنذ ذلك اليوم، أصبحت المملكة تُعرف بمملكة الملح والحكمة، وانتشرت القصة في كل مكان لتُروى للأجيال القادمة.
خلاصة القصة والعبرة
قصة الملك وبناته الثلاث تعلمنا أن الكلمات البسيطة قد تحمل معاني عظيمة، وأن الحب الحقيقي لا يُقاس بما هو لامع أو ثمين، بل بما هو ضروري وأصيل.
فوائد القصة للأطفال واليافعين:
تعزز قيم الصبر والحكمة
تشجع على التواضع وفهم المعاني العميقة
تُظهر أهمية عدم التسرع في الحكم على الآخرين
تبرز قيمة الحب الحقيقي غير المرتبط بالماديات