في قديم الزمان، وفي مملكةٍ بعيدةٍ تحيطها الجبال وتزينها الأنهار، عاش ملكٌ عظيم اشتهر بالحكمة والعدل، لكنه رغم ذلك حمل في قلبه حيرة لم تنطفئ. لقد كان الملك في منتصف عمره، قوي البنية، واسع العلم، محاطًا بالنصحاء والفرسان، لكنه كان يفتقد شيئًا لم يفهم كنهه: راحة البال. سُمّي في كتب التاريخ باسم الملك الحائر، لا لضعفٍ أو جهل، بل لأنه في كل مفترق طريق كان يرى أمامه عشرة، ويتردد. وكان لا يخطو خطوة دون أن يقلب الأمور ألف مرة.
في هذه القصة سنخوض معًا مغامرة الملك الحائر مع المرآة العجيبة، ونكتشف كيف غيّرت رحلة واحدة مجرى حياة كاملة.
قصص قصيرة قبل النوم للأطفال الصغار.
بداية الحيرة: حين تزدحم العقول ولا ترتاح القلوب
كان الملك يدير شؤون مملكته بمهارة، يقيم العدالة بين الناس، ويحرص على رضا الجميع. لكنه كان يعاني من فرط التفكير، فلم يكن ينام الليل وهو منشغلٌ بكل قرار، حتى لو كان بسيطًا.
يسأله الوزير: مولاي، ما سبب ترددك؟ فيجيب الملك: كيف لي أن أختار الطريق الصحيح وأنا لا أرى المستقبل؟ ماذا لو خذلت شعبي؟ ماذا لو كان اختياري خطأ؟
كان أقرب المقربين إليه يتمنون لو يستطيع الملك أن يطمئن إلى نفسه ويثق في حكمه، لكنهم لم يعرفوا كيف يساعدونه.
الهدية الغامضة: مرآة لا تعكس الوجوه
في يوم من الأيام، وصل إلى القصر تاجرٌ غريب من الشرق يحمل بين يديه صندوقًا مزخرفًا. قال للملك: لديّ هدية، لا تُباع ولا تُشترى. إنها مرآة، لكنها لا تُريك وجهك، بل تُريك ما لا يراه الناس.
أخذ الملك المرآة بدهشة، لكنه لم يفهم كيف تعمل. سأل التاجر: ماذا تعني بأنها لا تُظهر الوجوه؟ قال الرجل: إنها تُظهر الحقيقة المخفية خلف كل خيار. لكنها لا تعمل إلا في لحظة صدق حقيقي مع النفس.
وقبل أن يسأل الملك أكثر، اختفى التاجر في لمح البصر، وكأنما لم يكن يومًا هناك.
رحلة البحث: طريق الحكمة يمر بالوحدة
شعر الملك أن المرآة قد تكون فرصة لفهم ذاته وحل عقدته. فقرر أن يغادر القصر في رحلة سرية، لا يرافقه فيها سوى مرآته العجيبة، متنكرًا بزي رجل بسيط.
سار في الغابات، وزار القرى، وتحدث مع الفلاحين والرعاة، وكلما همّ باتخاذ قرار ما – حتى لو كان صغيرًا – أخرج المرآة، لكنها لم تُظهر شيئًا.
بدأ يشكّ، ثم جلس يومًا في مغارة وتأمل حاله وقال لنفسه: – أنا خائف من الخطأ أكثر من خوفي من الظلم. أنا لا أعيش، بل أحسب كل نفسٍ وكل خطوة.
وهنا، لمعت المرآة فجأة! رأى فيها صورًا لمواقفٍ اتخذ فيها قرارات صحيحة رغم شكوكه. ورأى كيف أضاع فرصًا عظيمة بسبب تردده. لم تُظهر له المرآة المستقبل، بل أظهرت له صدق حدسه الذي تجاهله مرارًا.
الامتحان الحقيقي: خيار لا يقبل التأجيل
بعد أسابيع، وصل إلى قرية صغيرة مهددة من عصابة قطاع طرق. طلب أهلها النجدة، وسألوه – ظنًا أنه رجل حكيم – ماذا يفعلون؟ كان أمامه خياران:
أن يهرب بهم إلى الجبال
أو أن ينظمهم للدفاع عن أرضهم
أخرج المرآة، لكنها لم تُظهر شيئًا هذه المرة.
فهم الملك الدرس: المرآة لا تعمل إلا حين يكون الخيار نابعًا من القلب الصادق، لا من الخوف أو التردد.
فقال بثقة: سندافع عن الأرض. قد نفشل، لكننا سنمضي بشرف.
وبالفعل، قاد خطة دفاعية عبقرية، وتمكن القرويون من حماية بيوتهم. ولأول مرة منذ سنين، نام الملك ليلًا دون قلق.
العودة إلى العرش: الملك الجديد، بعقل قديم وقلب جديد
عاد الملك إلى قصره بعد غياب شهرين. لم يعد بحاجة للمرآة، فقد فهم أن الحكمة ليست في معرفة كل شيء، بل في الثقة بالبصيرة والإيمان بالنية الصادقة.
جمع الوزراء وقال لهم: – كنتُ أحسب أن القرار الصائب هو ما لا يخيب، واليوم عرفت أن الصواب الحقيقي هو ما ينبع من الصدق والشجاعة، لا من التردد والخوف.
وأمر بأن تُحفر عبارة فوق بوابة القصر:
"من لا يثق بقلبه، لا تنفعه كل مرايا العالم."
الحيرة ليست عيبًا، بل بداية طريق الحكمة
هكذا تحولت قصة "الملك الحائر" إلى قصة ملهمة تُروى للأجيال، ليس لأنها عن ملك أو مرآة سحرية، بل لأنها تشرح بمنتهى البساطة أن الإنسان قد يضيع وسط كثرة الخيارات، لكنه لا يُهتدى إلا حين يواجه نفسه بصدق.
في زمنٍ يغمرنا بالمعلومات والاحتمالات، تذكر دومًا: الثقة بالنفس ليست غرورًا، بل اعترافٌ بأن في القلب بوصلة، إن صدقتها وصلت.