حين تجرأ الطغيان على أطهر بقعة في الأرض
في عمق التاريخ، وقبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقعت حادثة عظيمة كانت بمثابة آية من آيات الله، ومشهد من مشاهد التدخل الإلهي المباشر في نصرة الحرم المكي. إنها قصة أبرهة الأشرم، الحاكم الحبشي الذي أراد أن يهدم الكعبة المشرفة، ويستبدلها بمعبد بناه في اليمن. هذه القصة لم تكن مجرد مواجهة بين جيش وجدران، بل كانت شهادة حية على أن حرمة بيت الله محفوظة بأمر الله، حتى وإن تخاذل البشر.
أبرهة الأشرم، هدم الكعبة، قصة الفيل، مكة، عبد المطلب، الكعبة المشرفة، الطيور الأبابيل، تاريخ الكعبة، معجزات الله، قصص إسلامية
قصة أصحاب الفيل قصيرة للأطفال الصغار،قصة أبرهة وهدم الكعبة.
أبرهة الأشرم: الطاغية الذي أراد تغيير قبلة العرب
كان أبرهة الأشرم واليًا على اليمن من قِبَل الأحباش، وكان يطمح لجعل بلده مركزًا دينيًا يجذب الحجيج من الجزيرة العربية. فبنى كنيسة ضخمة في صنعاء سماها "القليس"، وزينها بالذهب والفضة، وأراد أن يجعلها بديلًا عن الكعبة المشرفة في مكة، التي كانت آنذاك مقصدًا دينيًا مقدسًا للعرب.
لكن العرب لم يرضوا بهذا الأمر، ورفضوا ترك الكعبة. بل إن أحدهم تسلل ليلًا إلى كنيسة أبرهة وقام بتدنيسها، مما أثار غضب أبرهة ودفعه لاتخاذ قرار مصيري: التوجه إلى مكة لهدم الكعبة.
الاستعداد للهجوم: جيش جرار وفيل ضخم
جمع أبرهة جيشًا ضخمًا مدججًا بالأسلحة والرجال، يتقدمه فيل ضخم يُدعى محمود، لم يُعرف له مثيل في الجزيرة العربية من قبل. وكان ذلك الفيل رمزًا لقوة الجيش ومهابته. انطلقت الحملة من اليمن متجهة نحو الحجاز، ومرت بعدة مناطق، كانت كل قبيلة تمر عليها تفر هاربة، أو تُجبر على الاستسلام.
وأثناء تقدمهم، وصلوا إلى أطراف مكة، وهناك استولى جيش أبرهة على إبل عبد المطلب بن هاشم، جد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والتي كانت ترعى في أطراف المدينة.
موقف عبد المطلب: وقار المؤمن وثقة العابد
ذهب عبد المطلب إلى أبرهة، وكان رجلًا وقورًا، مهيب الطلعة، فلما دخل عليه في خيمته، أُعجب أبرهة به ووقّره. لكن عبد المطلب طلب شيئًا غريبًا: استرجاع إبله فقط!
تعجب أبرهة وقال: "كنت أظنك جئت تطلب مني الكف عن هدم الكعبة، بيتكم المقدس!" فأجابه عبد المطلب بكلمات خالدة: "أنا ربّ الإبل، وللبيت ربٌّ يحميه."
لم يدرك أبرهة حينها أن هذه الكلمات كانت نذيرًا لحدث عظيم سيُخلّده التاريخ.
اللحظة الحاسمة: الطيور الأبابيل والمعجزة الإلهية
في صباح اليوم التالي، توجه جيش أبرهة نحو الكعبة، يتقدمه الفيل محمود. لكن حدث ما لم يتوقعه أحد، الفيل رفض التحرك نحو الكعبة، مهما حاولوا توجيهه، بينما كان يتحرك بسهولة إن وُجِّه في أي اتجاه آخر.
وفجأة، ظهرت طيور سوداء صغيرة تُعرف بـ"الأبابيل"، تحمل في مناقيرها وأرجلها حجارة من سجيل – وهي حجارة من طين محروق – فكانت تقذف بها الجنود من السماء. كل من أُصيب بحجر، سقط ميتًا أو تهشمت عظامه.
كان المشهد مرعبًا. جيش عظيم يُسحق من السماء، دون أن يستطيع الدفاع عن نفسه، وتحوّل الانتصار المنتظر إلى هزيمة ساحقة ومعجزة ظاهرة.
نهاية أبرهة: الهلاك المؤلم في طريق العودة
أما أبرهة، فقد أصيب إصابةً بالغة، وأصيب جسمه بالتقرحات والشلل، وبدأت أعضاؤه تتساقط قطعةً قطعة حتى مات وهو في طريقه عائدًا إلى اليمن، ذليلًا مكسورًا. وهكذا انتهى أمر من تجرأ على بيت الله الحرام، عبرة لكل جبارٍ عنيد.
سنة الفيل: عام المعجزة وبداية عهد جديد
سُميت هذه الحادثة العظيمة بـعام الفيل، وهو العام نفسه الذي وُلد فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لتكون بداية لنور جديد يخرج من مكة، المدينة التي حفظها الله بمعجزته.
وذكر الله هذه القصة في سورة الفيل:
"ألم ترَ كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيرًا أبابيل، ترميهم بحجارةٍ من سجيل، فجعلهم كعصفٍ مأكول." (سورة الفيل)
دروس خالدة من قصة لا تُنسى
قصة أبرهة وهدم الكعبة ليست مجرد واقعة تاريخية، بل هي رسالة خالدة عن أن الطغيان مهما بلغ، لا يمكن أن يقف أمام إرادة الله. هي قصة حفظ الكعبة بمعجزة إلهية، رغم أن أهلها لم يكونوا حينها على الإسلام بعد، وهو ما يبيّن أن الله يختار كيف ومتى يُدافع عن مقدساته.
تُعلمنا القصة أن الإيمان والثقة بالله هما القوة الحقيقية، وأن الله قادر على نصرة الحق دون سلاح أو عدد. كما تبرز مكانة الكعبة في قلب العقيدة الإسلامية، وكونها محفوظة بحفظ الله إلى أن يرث الأرض ومن عليها.