البداية الصعبة للدعوة في مكة
عندما جهر النبي محمد صلى الله عليه وسلم بدعوته، لم تقبل قريش هذه الرسالة السماوية الجديدة. واجه المسلمون الجدد اضطهادًا شديدًا، خاصة من أصحاب المكانة الاجتماعية الضعيفة، مثل بلال بن رباح وخباب بن الأرت وسمية وعمار بن ياسر. كانت في تلك المرحلة: الاضطهاد الديني، الحرية، الإسلام المبكر، مكة، النبي محمد. كل يوم كان يشهد تصعيدًا في العنف، حتى أصبح العيش في مكة خطرًا على حياة المسلمين.
الإذن الإلهي بالهجرة: باب من الرحمة يُفتح
في ظل هذا القمع، أذن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لبعض من أصحابه بالهجرة إلى أرض الحبشة، قائلاً لهم: "إن بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجًا مما أنتم فيه."
كان هذا القرار بمثابة نور في نفق مظلم. ذهب أحد عشر رجلاً وأربع نسوة في أول هجرة سرية، حاملين معهم إيمانهم وإصرارهم على التمسك بدينهم.الهجرة إلى الحبشة، النجاشي، عدل، إسلام، حرية.
الوصول إلى الحبشة: استقبال لم يكن في الحسبان
وصل المهاجرون إلى أرض الحبشة، واستقبلهم الملك النجاشي، ملك عادل لا يظلم عنده أحد. منحهم الأمان والإقامة، وسمح لهم بممارسة شعائرهم دون خوف أو اضطهاد. رغم البُعد عن مكة، إلا أن الحبشة أصبحت أول ملاذ آمن للمسلمين في التاريخ. كانت هذه المرحلة مليئة بالأمل والراحة النفسية، بعد طول عناء في مكة.
قريش تتحرك: محاولة فاشلة لاستعادة المهاجرين
لم تَرضَ قريش بأن يجد المسلمون ملاذًا آمنًا، فأرسلوا رجلين هما عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص محملين بالهدايا إلى النجاشي، في محاولة لإقناعه بإعادة المسلمين إلى مكة.
لكن النجاشي، بحكمته وعدله، دعا المسلمين للمثول أمامه والاستماع إلى حجتهم. وكان الموقف حاسمًا.
جعفر بن أبي طالب: خطاب التاريخ أمام الملك النجاشي
تحدث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه باسم المسلمين قائلاً:
"أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونسيء الجوار، حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصدقه، فدعانا إلى الله، فأمنّا به فعدا علينا قومنا، فخرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورجونا أن لا نُظلم عندك."
ثم قرأ آيات من سورة مريم عن السيدة مريم وعيسى عليهما السلام. تأثر النجاشي ودمعت عيناه، ثم قال:
"إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة." ورفض تسليم المسلمين لقريش.
الحبشة تصبح موطنًا ثانيًا للإيمان
استقر المسلمون في الحبشة، حيث مارسوا عبادتهم بحرية وسلام. بقي بعضهم هناك لعدة سنوات، ولم يعودوا إلا بعد أن تأسس الإسلام في المدينة المنورة. وهكذا، كانت الهجرة إلى الحبشة أول تجربة في التعايش بين الأديان، وأول انتصار لحرية العقيدة في التاريخ الإسلامي.
دروس من الهجرة: الإيمان يصنع المستحيل
من هذه القصة العظيمة، نتعلم أن:
الحرية الدينية حق إنساني يجب الدفاع عنه.
الهجرة من أجل العقيدة ليست هروبًا، بل مقاومة حضارية.
العدل هو ميزان الله في الأرض، وقد ضرب النجاشي أروع الأمثلة على الحاكم العادل.
رحلة الإيمان إلى أرض العدالة
إن قصة هجرة المسلمين إلى الحبشة ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي شهادة على أن الإيمان إذا اقترن بالصبر، انتصر في النهاية. إنها قصة عن بشر عاديين صنعوا مجدًا خالدًا بإيمانهم، وملك غير مسلم خلد اسمه بعدله. في عالم اليوم، تظل هذه القصة مصدر إلهام لكل من يُضطهد بسبب دينه أو معتقده، وتُثبت أن الحق لا يُقهر إذا صاحبه الصدق والعدل.
الهجرة إلى الحبشة، المسلمون الأوائل، النجاشي، جعفر بن أبي طالب، قريش، الإسلام في مكة، اضطهاد المسلمين، حرية العقيدة، تاريخ الإسلام، أول هجرة في الإسلام.