في زمنٍ كان فيه الصدق عملةً نادرة، وكان الخوف يدفع كثيرين للكذب والفرار، تأتي هذه القصة لتُضيء شمعة في ظلام الخداع، وتذكّرنا بأن الصدق قد يكون طريقًا وعرًا، لكنه في النهاية طريق النجاة. إليكم قصة "الحطّاب والشاب الهارب"، حكاية من التراث تنبض بالحكمة وتُعلّم الصغار والكبار أن الصدق ليس مجرد فضيلة، بل أسلوب حياة.
قصة عن الصدق، قصص أطفال تعليمية، الحطاب والشاب الهارب، الصدق منجاة، قصص تربوية طويلة
قصة قصيرة عن أهمية الصدق.
في أعماق الغابة، بداية اللقاء الغريب
في صباحٍ مشمس من أيام الخريف، خرج الحطّاب سالم كعادته يحمل فأسه متوجهًا إلى أعماق الغابة، حيث الأشجار العملاقة والسكينة التي لا يعكرها شيء. كان سالم رجلاً بسيطًا، يعيش من عرق جبينه، ويُعرف بين أهل قريته بصدقه ونقائه.
وبينما كان يقطع خشب شجرة ضخمة، سمع فجأة صوت خطوات مسرعة تتجه نحوه. استدار بسرعة وإذا بشابٍ في العشرينات من عمره، يلهث ويتلفّت حوله كأن وحشًا يطارده. اقترب منه الشاب وقال: "أرجوك، ساعدني! إنهم يطاردونني، دعني أختبئ بين أكوام الحطب."
من هو هذا الشاب الهارب؟
تردد سالم قليلاً، ثم أجابه: "ومن الذي يطاردك يا بني؟ ولماذا؟" قال الشاب بصوتٍ مرتجف: "لقد اتُهمت ظلماً بسرقة عقدٍ ذهبي من بيت العمدة، وأنا بريء! لم أجد أحدًا ألوذ إليه إلاك، أرجوك، لا تسلمني."
نظر الحطّاب في عيني الشاب، فرأى صدقًا غريبًا ممزوجًا بالخوف. لم يكن سالم معتادًا على الكذب أو المراوغة، لكنه كان يملك قلبًا رقيقًا يميز الخير من الشر.
قال له: "اختبئ هناك خلف كومة الحطب، وإذا جاء أحد يسأل، سأجيب بما يُرضي ضميري وربي."
المطاردة تشتد، واختبار الصدق يبدأ
بعد دقائق قليلة، وصل إلى المكان ثلاثة رجال مسلحين، من رجال الحراسة التابعين للعمدة. اقتربوا من الحطّاب وسألوه بحدة: "أيها الرجل! هل مرّ من هنا شاب يلبس هذا الوصف؟ إنه لص وسنقبض عليه بأي ثمن!"
وقف سالم بثبات، وأجاب بهدوء: "نعم، مرّ بي شاب، لكنه لم يقل شيئًا، ولم يُبدِ أي سلوكٍ مشبوه. لم أرَ عقدًا ذهبيًا، ولم أُخبر بشيء."
فنظروا إليه بارتياب، وقال أحدهم: "هل أنت متأكد أنك لا تخفيه؟" أجاب سالم بصدق: "أنا لا أكذب، ولا أتستر على مجرم، وإن كنت قد مررت به، فلا علم لي بما فعل. فتشوا إن شئتم."
بدأ الرجال في البحث في المكان، لكنهم لم يجدوا شيئًا. وبعد لحظات من التفتيش، انصرفوا وهم يتهامسون فيما بينهم.
كشف الحقيقة، الصدق يُثمر دائمًا
خرج الشاب من مخبئه، وعيناه ممتلئتان بالدموع، وقال: "لقد أنقذتني، لكنني لم أكن صادقًا معك. الحقيقة أنني كنت موجودًا في بيت العمدة وقت السرقة، لكني لم أسرق شيئًا. رأيت السارق الحقيقي، لكنه ابن أحد كبار القرية، وخشيت أن لا يصدقني أحد، فهربت."
تفاجأ سالم، لكنه لم يغضب، بل قال له بهدوء: "الصدق لا يعني فقط أن لا تكذب، بل أن تتحلى بالشجاعة لتقول الحقيقة، حتى وإن كانت مؤلمة أو خطرة."
شجعه على العودة إلى القرية ومواجهة العمدة بالحقيقة، وعرض عليه أن يذهب معه ليشهد لصالحه.
العدالة تنتصر، بفضل الصدق والشجاعة
عاد الشاب مع الحطّاب سالم إلى القرية، وهناك طلب مقابلة العمدة. بحضور وجهاء القرية، قال الشاب كل ما رآه، وسانده سالم بشهادته. وبعد تحقيقات دقيقة، تبيّن أن الشاب صادق، وأن السارق كان فعلًا ابن أحد الوجهاء، الذي لم يَجد مفرًا من الاعتراف خوفًا من الفضيحة.
أُطلق سراح الشاب، وكرّمه العمدة أمام الجميع، وشكر الحطّاب على صدقه وثباته في قول الحق. أما الشاب، فقد قرر أن يبدأ حياة جديدة عنوانها الصدق والشجاعة.
الصدق منجاة ولو بعد حين
قصة الحطّاب والشاب الهارب تُعلمنا أن الصدق ليس فقط كلمة نقولها، بل هو موقف واختيار وشجاعة. قد يبدو الكذب في بعض المواقف طوق نجاة، لكنه في الحقيقة قيدٌ يُكبّل صاحبه. أما الصدق، فقد يُكلفك شيئًا في البداية، لكنه يفتح لك أبواب الثقة والاحترام في النهاية.
اجعل من هذه القصة درسًا لك ولأبنائك، وذكّرهم دائمًا بأن:
"الصدق منجاة، ولو بعد حين."