فداء علي بن أبي طالب للنبي محمد: قصة بطولة وإيمان تهز القلوب
مؤامرة قريش: اجتماع الشر في دار الندوة
عندما شعر كفار قريش بخطر انتشار دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد أن عجزوا عن إيقافه بالدعوة أو التعذيب، اجتمعوا في دار الندوة، يخططون لاغتياله. توصلوا إلى حيلة خبيثة: أن يجتمع من كل قبيلة شاب قوي، ويهجمون على النبي دفعة واحدة، فيُوزع دمه بين القبائل ولا يستطيع بنو هاشم المطالبة بالقصاص.
كانت هذه الخطة لحظة خطيرة في السيرة النبوية، فالمؤامرة وشيكة، والوقت قصير، والمصير معلق بخيط من التدبير الإلهي. لكنّ الله عز وجل لا يُخلف وعده، وكان له تدبير أعظم.
وحي السماء: الأمر بالهجرة ومغادرة مكة
نزل الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يأمره بالهجرة إلى يثرب، التي ستُعرف لاحقًا بالمدينة المنورة. لم يكن الأمر مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل بداية لمرحلة جديدة من نشر الرسالة الإسلامية. لكن كان لا بد من خطة تُربك كفار قريش وتُخفي تحركات النبي.
وهنا بزغ دور الفدائي الأول في الإسلام، الفتى الشجاع، ابن عم النبي وأخيه في الله: علي بن أبي طالب.
الليلة العظيمة: سيدنا علي ينام في فراش النبي
في ليلة الهجرة، طلب النبي من علي بن أبي طالب أن ينام في فراشه، مغطى ببرده الأخضر، في إشارة إلى أن البيت لا يزال فيه أحد. لم يتردد علي لحظة، ولم يطلب تأكيدًا أو ضمانًا، بل قال بثبات ويقين: "أَوَتَسْلَمُ يا رسول الله إن نِمتُ في فراشك؟" قال: "نعم". فابتسم علي وقال: "إذن لا بأس".
نام علي في فراش رسول الله، بينما تحيط به سيوف الغدر من كل جانب، وقلوب قريش تشتعل كرهًا ورغبة في القتل. لم يعرفوا أن الذي تحت الغطاء ليس محمدًا، بل عليًا الفدائي الصادق.
اللحظة الحاسمة: النجاة الإلهية والخروج الآمن
انتظر المتآمرون حتى الصباح، وعندما انقضوا على البيت، ورفعوا الغطاء، تفاجأوا بعلي بن أبي طالب، شابًا صغيرًا لا يُمكن أن يكون الهدف. صُدموا، وتساءلوا أين ذهب محمد؟ لكن الأوان قد فات، فقد كان النبي قد خرج سرًا بصحبة أبي بكر الصديق، وتوجها نحو غار ثور، حيث مكثا ثلاثة أيام بعيدًا عن أنظار العيون.
كان تخطيطًا محكمًا، نفذه علي بشجاعة، وكان للنبي وقت للهروب دون أن يُمس بأذى.
مهمة أخرى: علي يُعيد الأمانات إلى أهلها
لم يكن دور علي مجرد فداء، بل كانت له مهمة أخرى لا تقل أهمية: إعادة الأمانات التي كانت عند النبي لأهل مكة. رغم إيذائهم للنبي، إلا أنهم كانوا يثقون في أمانته. وحرص رسول الله على رد الأمانات إلى أصحابها قبل هجرته، فتركها مع علي ليؤديها، ثم يلحق به إلى المدينة.
وهكذا، لم يكن علي مجرد فتى نام في خطر، بل كان رجلًا حمل مسؤولية أمة، وأدى الأمانة بكل صدق وشرف.
الوصول إلى المدينة: بداية عصر جديد
بعد أن أدى علي المهام الموكلة إليه، خرج في طريق شاق إلى المدينة، حتى وصل بعد أيام طويلة ومتعبة. وهناك، التقى بالحبيب المصطفى، واستقبلته المدينة المنورة كأحد الأبطال الذين سطّروا أعظم فصول البطولة.
استمرت مآثر علي بن أبي طالب بعد ذلك في كل ميادين الإسلام، لكنه سيبقى دائمًا "فدائي الرسول" الذي نام في الفراش دون خوف، وواجه الموت بعين ثابتة وقلب مطمئن.
دروس خالدة: الإخلاص والشجاعة في أبهى صورها
قصة فداء سيدنا علي لرسول الله ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي مدرسة في الإيمان والفداء والولاء. تعلمنا هذه القصة أن التضحية من أجل الحق تُولد من يقين عميق وثقة بوعد الله. كما تُبرز مقام سيدنا علي بن أبي طالب، وتُظهر حبّه العميق لرسول الله، واستعداده للتضحية بحياته في سبيله.
فداء لا يُنسى وعبرة للأجيال
ستبقى قصة فداء علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – صفحة ناصعة في سجل الشرف الإسلامي. لقد كتب بتلك الليلة سطورًا من نور، وعلّم البشرية معنى الوفاء الحقيقي. في زمن قلّت فيه التضحيات، نعود إلى هذه القصة لنتعلم كيف يكون الصدق في المحبة، والعزيمة في المواقف الصعبة، واليقين بنصر الله مهما اشتدت الأزمات.
إنها ليست مجرد قصة، بل أسطورة فداء ستُروى للأبد.