حين يُساء فهم الكرم
في المجتمعات العربية، لطالما كان الكرم سمة مشهورة ومحبوبة، يُفاخر بها الناس ويعتبرونها من أعلى مراتب الأخلاق. غير أن هذا الكرم قد يتحول أحيانًا إلى عبء ثقيل إذا وقع في يد من لا يقدّره. في هذه القصة التي نرويها اليوم، "قصة الضيف الطماع"، نسلّط الضوء على ضيف تجاوز كل حدود الضيافة، واستغل كرم مضيفه بشكل أناني وطفيلي، حتى كانت النهاية غير متوقعة. إنها قصة تربوية تحمل في طيّاتها عبرة لكل من يسيء فهم كرم الآخرين.
قصة الضيف الطماع، قصص تربوية، قصص عربية طويلة، قصة عن الطمع، قصة عن الكرم، قصص للأطفال والكبار، قصة طويلة
قصة الضّيف الطّمّاع،
الضيف المفاجئ
في أحد أيام الصيف الحارة، كان الحاج سالم، رجلٌ كريم وذو سُمعة طيبة، يجلس تحت شجرة التوت في باحة منزله الريفي يحتسي الشاي ويتأمل زرعه الأخضر الممتد أمامه. لم يكن يتوقع أن يقطع عليه سكون يومه صوتٌ قادم من بعيد، ينادي: – السلام عليكم يا حاج سالم! رفع الحاج رأسه، فإذا برجل ضخم الهيئة يقترب بخطى واثقة، يحمل حقيبة على كتفه، وابتسامة عريضة تعلو وجهه. إنه ضيف قديم من المدينة يدعى أبو نادر، لم يره منذ سنين.
استقبله الحاج بحفاوة قائلاً: – وعليكم السلام ورحمة الله! أهلًا وسهلًا بك، البيت بيتك. فرِح الضيف بالترحيب وراح يسرد ذكرياتهما القديمة، غير أن تصرفاته بدأت تثير الريبة منذ أول مساء.
تصرفات غير مألوفة
في اليوم الأول، طلب أبو نادر أن يُقدَّم له عشاء خاص، خالٍ من الزيت والسكر، ثم أصر على أن يُغسل فراشه بماء الورد، بحجة أنه يعاني من الأرق. وفي اليوم الثاني، طلب من الحاج أن يذبح له دجاجتين لأن "واحدة لا تكفيه"، وفي اليوم الثالث، أعطى قائمة احتياجات طويلة لابن الحاج، مطالبًا بشرائها من السوق على حساب المضيف!
بدأ الحاج سالم يلاحظ أن الضيف لا يبالي بما يسببه من متاعب، بل يتصرف كأنه في فندق خمس نجوم، يوزع الأوامر وينتظر التنفيذ بصبرٍ ثقيل.
البيت يتحول إلى فندق
تحول البيت الهادئ إلى مركزٍ للطلبات. لم يعد أبناء الحاج سالم يذهبون للحقول صباحًا، بل أصبحوا مشغولين بتلبية احتياجات الضيف الذي لا ينتهي طمعه.
– يا حاج، هل لديك خروف صغير؟ أريد أن أطبخه على طريقتي الخاصة غدًا. – أبو نادر، هذه الذبائح نعدها للأعياد، وليس في طاقتي توفيرها كل يوم. – لا عليك، اعتبرها كرم ضيافة!
شعر الحاج بالضيق. لقد اعتاد أن يكرم ضيوفه، لكن هذا الضيف تجاوز كل حدود المنطق. الطمع أعمى بصيرته، حتى ظن أن الكرم حقٌ دائم لا ينفد.
النقطة الفاصلة
ذات ليلة، اجتمع الحاج مع أبنائه وتحدث بصراحة: – يا أولادي، إن الضيافة ثلاثة أيام، وبعدها يتحول الضيف إلى عبء إن لم يكن حسن التصرف. أبو نادر تجاوز حدوده، وأرى أن علينا التصرّف بحكمة.
اتفق الجميع على خطة بسيطة. في اليوم التالي، لم يُقدم الإفطار للضيف كالعادة. وحين نزل إلى المائدة، وجد فقط كوب ماء ورغيفًا يابسًا. استغرب وسأل: – أين الطعام؟ – نعتذر، يا أبا نادر، فقد انتهت مؤونتنا.
ثم فوجئ بأن أبناء الحاج سالم غادروا للحقول، ولم يعد هناك من ينفذ له الطلبات. وأما الحاج، فجلس يقرأ دون أن يلتفت كثيرًا لضيفه.
نهاية الطمع، درس لا يُنسى
بعد يومين من المعاملة الباردة، بدأ أبو نادر يشعر بالحرج. ثم جاء الحاج سالم وجلس بجانبه قائلاً بهدوء: – يا أبا نادر، الكرم لا يعني الاستغلال. وقد أحسنتُ إليك، لكنك بالغت في طلباتك. ليس من الأدب أن يُرهق الضيف مضيفه. خجل أبو نادر كثيرًا وبدأ يعتذر بحرارة، ثم حزم أمتعته في اليوم التالي وغادر، وقد أدرك خطأه الجسيم.
عبرة لكل من أساء فهم الضيافة
"قصة الضيف الطماع" ليست مجرد حكاية عابرة، بل درس مهم في فن التعامل مع كرم الآخرين. فالكرم لا يعني السماح للطمع بالتغلغل، ولا يجيز للضيف أن يتحول إلى عبء ثقيل. الضيافة خلقٌ نبيل، ومن واجب الضيف أن يراعي حدود الأدب والاحترام، كما من حق المضيف أن يضع حدودًا تحفظ راحته وكرامته.
استفدنا من هذه القصة أن الطمع لا يُكافأ، وأن احترام الآخرين يبدأ باحترام عطائهم وعدم استغلاله. في النهاية، تبقى القيم الأخلاقية مثل التوازن، والتواضع، والامتنان، هي ما يضمن استمرارية العلاقات الطيبة بين الناس.