حين يتحدث الظلام عن النور
في زقاقٍ ضيّق من أزقة المدينة القديمة، حيث الجدران تتحدث بلغتها الصامتة، والأرصفة تحفظ آثار العابرين، كان هناك مصباح شارع قديم يقف وحيدًا، شاهقًا في مكانه منذ عشرات السنين. مرّ عليه الزمن وبهت لونه، لكنه ظل صامدًا، ينير الطريق لقلوب لا تعرفه، وأرواح لا تلتفت إليه. لم يكن أحد يعرف أن في داخله حكاية، وأن نوره لم يكن عاديًا، بل سرًا ينتظر من يكتشفه. هذه القصة تحمل بين طياتها عبق الماضي، وسحر الأشياء التي لا نوليها اهتمامًا، رغم أن داخلها ما يمكن أن يغير مجرى الحياة.
المصباح الذي لا ينطفئ
كان المصباح مثبتًا عند ناصية شارع "الريحان"، في أحد أحياء المدينة التي فقدت بريقها بمرور الزمن. كل ليلة، يشتعل تلقائيًا مع حلول الظلام، دون أن يكون موصولًا بالكهرباء، ودون أن يطفئه أحد مع الفجر. الأمر بدا طبيعيًا للناس مع الوقت، حتى توقفوا عن السؤال.
لكن بالنسبة للطفل "سليم"، صاحب التسع سنوات، كان المصباح لغزًا حقيقيًا. كان يمر به كل يوم وهو في طريقه إلى المدرسة، ويحدّق فيه متأملًا: لماذا لا يُطفأ أبدًا؟
الجدة التي تعرف كل شيء
سليم كان يقضي أغلب أمسياته مع جدته "زهرة"، التي كانت عاشقة للقصص القديمة. وفي إحدى الليالي، بينما كانت تنسج من ذكرياتها حكايات عن المدينة، سألها سليم: "جدتي، لماذا يظل مصباح الريحان مضاءً حتى في النهار؟"
ابتسمت الجدة ابتسامة غامضة، وقالت: "آه يا صغيري... ذاك المصباح ليس كباقي المصابيح، إنه من زمن السحرة، ويُقال إن في داخله روح رجل صالح، أقسم أن ينير درب المارة إلى الأبد"
سر المصباح في دفترٍ قديم
لم يكن سليم مقتنعًا تمامًا، فقصص الجدة عادة ما تكون خيالية. لكنه في تلك الليلة، تسلل إلى العلية يبحث في صناديق قديمة تعود لجده الراحل. وبين الأوراق المتناثرة، وجد دفترًا جلديًا قديمًا. عنوانه كان: "مذكّرات حارس الضوء"
صفحات الدفتر كانت تحكي عن رجل يُدعى "مصطفى"، كان يعمل حارسًا ليليًا في المدينة قبل 70 عامًا. وذكر أنه اكتشف مصباحًا غريبًا يعمل بطاقة لا يفهمها أحد، وكان يقول: "هذا المصباح لا ينطفئ لأن بداخله عهدٌ بيني وبين الله، أن أضيء الطريق لكل عابرٍ مهما كانت عتمته."
لقاء غير متوقع عند منتصف الليل
بدافع الفضول، قرر سليم الخروج سرًا في إحدى الليالي والتوجه إلى المصباح. كانت الساعة تقترب من منتصف الليل، والشارع هادئ تمامًا. اقترب من المصباح، ووضع يده عليه.
فجأة، انبثق ضوء أزرق خفيف، وظهر أمامه ظلّ رجل طاعن في السن، يرتدي قبعة قديمة ومعطفًا طويلًا. قال له بنبرة دافئة: "أخيرًا... جاء من سيكمل الحكاية."
ارتعب سليم لكنه لم يتحرك. همس الرجل: "أنا مصطفى، حارس الضوء، لقد كنت بانتظار من يفهم أن النور ليس فقط كهرباء، بل رسالة."
مهمة سليم الجديدة
في الليلة التالية، عاد سليم إلى المصباح، فوجد عند قاعدته صندوقًا صغيرًا يحتوي على مصباح يدوي قديم، ومفتاح نحاسي وُضع على ورقة كُتب عليها: "كل من يحفظ نور هذا المصباح، يُمنح النور في قلبه ووجهه."
منذ تلك الليلة، أصبح سليم يزور المصباح كل يوم، ينظفه، ويراقب المارّة وهم يمرّون. بدأ يشعر أن دوره لا يقل أهمية عن أي دور بطولي سمعه في القصص.
حين يعود النور إلى المدينة
بمرور الوقت، بدأ سكان الحي يلاحظون أن الشارع أصبح أكثر دفئًا، وأكثر أمانًا. الناس عادوا يتجمعون قرب المصباح، يتبادلون الأحاديث، وتحوّل المكان إلى ملتقى صغير.
البلدية حاولت استبدال المصباح ذات يوم، لكن كل مهندس اقترب منه، تعطلت أدواته، وكأن المصباح يرفض أن يُبدَّل.
في النهاية، قررت السلطات أن تضع لوحة نحاسية قربه، كُتب عليها: "مصباح الريحان: نور لا يُطفأ، وحكاية لا تموت."
لأن النور إرث لا يُشترى
قصة مصباح الشارع القديم هي تذكير بأن النور الحقيقي ليس في الكهرباء، بل في القلوب التي تضيء دروب الآخرين. لا تقلل من شأن الأشياء الصامتة، فربما تخفي قصصًا تفوق الخيال.
وسليم؟ لقد كبر، وأصبح كاتبًا يروي حكايات المدينة القديمة... وحين يسأله الناس: "من أين تأتيك كل هذه القصص الجميلة؟" يبتسم ويقول: "من مصباح لا ينطفئ"
قصة مصباح الشارع، قصة خيالية طويلة للأطفال، حكايات المدينة القديمة، قصص تربوية للأطفال، مصباح لا ينطفئ، قصص فيها عبرة، قصة طويلة مشوقة، قصة خيالية ممتعة.
إقرأ أيضا: