قصة ملهمة للأطفال عن اللطف، التحدي، وتغيير الصورة النمطية
هل الذئب دائمًا شرير؟
عبر الأزمنة، لطالما ارتبط اسم الذئب في القصص بالخداع والخطر. في كتب الحكايات، نراه يطارد الخراف، يهاجم القرى، ويهدد الأمان. لكن ماذا لو وُلد ذئب مختلف؟ ذئب لا يرى في الأنياب وسيلة للبقاء، بل يرى في قلبه طريقًا للسلام؟ في هذه القصة الطويلة للأطفال قبل النوم، نروي حكاية الذئب رمّاح، الذي اختار أن يكون طيبًا في عالم لا يفهم الطيبين. فكيف غيّر الغابة بحبه؟ وكيف غيّر القلوب بلطفه؟
حكاية الذئب اللطيف
الذئب الصغير الذي لم يشبه عائلته
وُلد رمّاح في عشيرة ذئاب شرسة تُعرف بين قبائل الغابة باسم "عواء الليل"، لما تثيره من خوف كلما علت أصواتها. ومنذ ولادته، لاحظت أمه أمرًا غريبًا فيه. لم يكن يصرخ كأخوته، بل يراقب بتأمل. كبر رمّاح قليلًا، فبدأ يُظهر طبعًا غريبًا: لا يحب العراك، ولا يشارك في التدريب على الصيد، ويقضي الساعات وهو يساعد الحشرات على الخروج من الوحل أو يجمع بتلات الزهور لشمّها.
قالت جدته يوماً لأمه:
"سيجلب لنا العار! هذا الذئب ليس من نسلنا!" لكن الأم رغم قلقها، كانت ترى في عينيه نورًا لا يشبه أحدًا.
في الغابة، اللطيف متهم دائمًا
في سن المراهقة، خرج رمّاح ليستكشف الغابة وحده. أراد أن يعرف هل هناك مكان يتقبله كما هو؟ لكنه واجه أولى العقبات: الحيوانات الأخرى كانت تخشاه لمجرد كونه ذئبًا.
اقترب مرة من سرب من الطيور كان يغني فوق الأشجار، لكن ما إن رأوه حتى طاروا مذعورين. حاول أن يُهدي نحلة صغيرة كانت علقت بجناحها، فظنّت أنه سيفترسها فلدغته وهربت. حتى عندما أنقذ أرنبًا صغيرًا من الثعابين، لم يصدق أحد أن ما فعله كان بدافع الخير.
"الذئب لا يتغيّر!" قال السنجاب ساخرًا.
"إنه يخطط لخدعة ما!" قالت البومة بحذر.
وهكذا، لم يجد رمّاح إلا الأشجار والنهر أصدقاء له.
رسالة الغزالة العجوز
ذات مساء، جلس رمّاح في ظلال شجرة الصفصاف يبكي بصمت. اقتربت منه غزالة عجوز تُدعى "سُهى"، كانت أضعف من أن تهرب، لكنها أقوى من أن تحكم عليه مسبقًا.
قالت له برقة:
"أعلم أنك مختلف. رأيتك مرارًا تساعد دون أن يُطلب منك. الغابة لا تفهمك الآن... لكنها ستفهمك لاحقًا."
"لكني تعبت من إثبات نفسي!" أجابها رمّاح. ابتسمت وقالت:
"كن كما أنت، ودع الزمن يُثبت لك أنك على صواب."
كانت كلماتها كالدواء. من تلك الليلة، قرر رمّاح ألا يغيّر طبيعته من أجل قبول مؤقت.
سنوات من الطيبة في صمت
مرت السنوات، وكل يوم كان رمّاح يُسدي المعروف لمن يحتاج.
أنقذ صغار الضفادع من الحريق.
قاد قطيعًا من الغزلان عبر ممر جبلي آمن أثناء العاصفة.
ظلّ ساهرًا ليحرس بيت السناجب الصغيرة من الثعالب.
لكن رغم كثرة أعماله، بقيت ظنون الحيوانات تراوح مكانها.
"ربما يحاول كسب ثقتنا ليهجم لاحقًا!"
"الذئاب لا تتغير. إنها فطرة." رمّاح لم يرد. كان يؤمن أن اللطف لا يحتاج للدفاع عنه بالكلام.
اختفاء الديك نونو، واتهام بلا دليل
في صباح مشمس، انتشر الخبر: الديك "نونو" مفقود! نونو كان محبوبًا، صوته يوقظ الغابة، وحديثه يضحك الجميع. فُزع الجميع، واجتمع كبار الغابة ليبحثوا في الأمر.
صرخ القرد العجوز:
"من سواه؟ الذئب رمّاح! إنه كان يتجول قرب حظيرة الديك!" صاحت السلحفاة:
"رأيته يمر هناك ليلًا!" وبدون تحقق أو دليل، صدر الحكم: رمّاح هو المتهم!
لكنه لم يهرب، ولم يغضب، بل وقف وقال بهدوء:
"سأعيد نونو... وأثبت لكم من أنا."
المواجهة مع الخطر الحقيقي
تتبع رمّاح الروائح والأصوات، وسار في الغابة لساعات. وأخيرًا، وصل إلى مغارة مظلمة تُطل على وادٍ مهجور. من داخلها سمع صراخًا خافتًا.
دخل المغارة بحذر، ليجد ثعلبًا ضخماً يُسمى "دهشان" يحتجز نونو داخل قفص من الأغصان.
"أنت هنا؟" ضحك الثعلب. "كنت أعلم أنك ستأتي."
"أطلق سراحه!" قال رمّاح بغضب. دار قتال شرس بينهما، استخدم فيه رمّاح كل قوته، لا ليفترس، بل ليُنقذ.
وبعد معركة شجاعة، فرّ الثعلب، وحمل رمّاح نونو الجريح على ظهره، وعاد به إلى الغابة.
حقيقة الذئب الطيب تنتصر أخيرًا
حين عاد رمّاح، كان الجميع ينتظرون. ووسط دهشة العيون، وضع نونو أرضًا، وشرح ما حدث. قال نونو بصوت مبحوح:
"لو لا رمّاح... لما عدت حيًا!" ذُهل الجميع، وبدأت الاعتذارات تنهال عليه.
"لقد ظلمناك..."
"سامحنا!" ابتسم رمّاح قائلاً:
"أهم شيء أن نونو بخير."
ومنذ ذلك اليوم، تغيّر كل شيء.
ولادة عهد جديد في الغابة
تحوّل رمّاح إلى أسطورة حية. كتب عنه شعراء الغابة، وصار الأطفال يتعلمون من قصته. أسس مدرسة الغابة للسلام، حيث كانت الحيوانات تتعلم كيف تتعامل بلطف، تتفاهم، وتعيش بلا خوف. صار كل صغير يُقال له:
"كن مثل رمّاح... الذئب الذي غيّرنا."
كن ما تريد، لا ما يُتوقع منك
قصة الذئب اللطيف ليست مجرد حكاية، بل مرآة لكل من شعر بأنه لا ينتمي. إن كان العالم يتوقع منك أن تكون قاسيًا لأنك مختلف، فلا تتردد أن تكون طيبًا. رمّاح علّمنا أن الشجاعة ليست في العواء، بل في القدرة على مواجهة الكراهية بالحب.
وفي كل ليلة، حين تنام الغابة، يبقى صوت رمّاح يُردد للأطفال قصة تقول: "اللطف لا يُهزم، حتى في عالم مفترس."
إقرأ أيضا :