مرآة لا تشبه سائر المرايا
في زاوية قرية صغيرة تحيط بها الجبال والغابات الكثيفة، عاشت فتاة تدعى ليلى مع جدتها العجوز. كانت حياتها بسيطة، مليئة بالهدوء والعمل في الحقل، لكنها كانت تشعر دائمًا أن شيئًا غريبًا يخبئه هذا العالم، شيئًا يتجاوز الخبز والزرع والروتين اليومي. وفي أحد الأيام، وجدت مرآة قديمة في علية بيت جدتها، مرآة سحرية لا تعكس الواقع كما هو، بل تكشف ما لا يُرى!
قصة المرآة السحرية: أسرار لا يراها الجميع
اكتشاف المرآة العجيبة
بينما كانت ليلى تبحث في صندوق خشبي قديم داخل علية المنزل، لمحت طرف مرآة مغطاة بقطعة قماش سوداء. كانت الإطار من الخشب المنحوت بدقة، تحيط به رموز غريبة لم ترها من قبل. بمجرد أن كشفت الغطاء، شعرت بهواء بارد يمر عبر المكان، رغم أن النوافذ مغلقة. وما إن نظرت فيها، حتى لم ترَ وجهها فقط، بل رأت غرفة مظلمة فيها نور خافت، وأصوات غريبة تتردد من بعيد.
جدّتها تحكي السر القديم
عندما أخبرت ليلى جدتها عن المرآة، تغير وجه العجوز فجأة، وبدت عليها ملامح القلق. جلست بجانبها وقالت بصوت منخفض: "تلك المرآة ليست عادية يا ليلى، إنها مرآة الأبعاد السبعة، ورثناها عن جداتنا. قيل إنها تكشف الحقيقة، وتُظهر الطرق التي لم تُسلك، لكنها أيضًا باب نحو المجهول."
أوصتها جدتها بعدم استخدامها كثيرًا، فكل من دخل عالم المرآة، تغيّرت حياته للأبد.
أول رحلة داخل المرآة
لم تستطع ليلى مقاومة فضولها، وفي ليلة مقمرة، قررت النظر مجددًا في المرآة. لكنها هذه المرة لم تكتفِ بالنظر… بل مدّت يدها، فشعرت وكأنها تغوص في سطح مائي شفاف. فجأة، وجدت نفسها داخل عالم موازٍ: سماء بنفسجية، أشجار تتحدث، وكائنات تشبه البشر لكن أعينهم لامعة كالنجوم.
في هذا العالم، قيل لها إنها "الفتاة المنتظرة" التي ستعيد التوازن بين عالم البشر وعالم المرايا.
اختبار الثقة والأمل
لتثبت أحقيتها، كان عليها أن تجتاز ثلاثة اختبارات:
مرآة الحقيقة: واجهت فيها أكبر مخاوفها، وعليها أن تعترف بها.
مرآة الذاكرة: أعادتها إلى لحظة أليمة من طفولتها حيث فقدت والديها في حادث.
مرآة الاختيار: خُيّرت بين البقاء في هذا العالم السحري أو العودة إلى حياتها البسيطة.
كل اختبار علّمها دروسًا عن الشجاعة، الصدق، والتضحية.
لقاء بالحارس الأبدي
في عمق الغابة السحرية، التقت بـ الحارس الأبدي، كائن حكيم ذو لحية من نور، حذرها من خطر المرآة إذا استخدمت بغرض الطمع أو الفضول فقط. أخبرها أن طاقة المرآة تتغذى على نوايا الشخص، وإن أساء استخدامها، فإنها قد تنقلب عليه.
ليلى وعدته بأنها ستستخدمها فقط للخير والشفاء.
العودة بعين جديدة
عادت ليلى من عالم المرايا بعدما اجتازت الاختبارات الثلاثة، لكنها لم تعد نفس الفتاة. أصبحت ترى ما لا يراه الآخرون: الأكاذيب، النوايا، ومشاعر الناس الحقيقية. بدأت تساعد أهل قريتها، فتكشف الخداع، وتدل التائهين، وتعالج القلوب المنكسرة. أصبحت "حكيمة القرية"، رغم أنها لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها.
ظهور الغريب الباحث عن المرآة
بعد أشهر، جاء رجل غريب إلى القرية، يسأل عن مرآة قديمة ذات رموز. كان يظهر بمظهر متواضع، لكنه في الحقيقة ساحر يبحث عن السيطرة على عالم المرايا. أدركت ليلى الخطر، وخبّأت المرآة في مكان لا يمكن الوصول إليه، داخل بئر مهجور لا ينعكس فيه الضوء.
واجهت الساحر، مستعينة بقوة الحقيقة التي اكتسبتها، وهزمته بكلمات ملأى بالنور والثقة، لا بسحرٍ مظلم.
المرآة التي اختارت مصيرها
أدركت ليلى في النهاية أن المرآة السحرية لم تكن مجرد أداة، بل كانت كيانًا حيًا يبحث عن شخص يستحق أسراره. فاختارتها، لأنها لم ترغب في السيطرة، بل في الفهم والمساعدة.
أغلقت المرآة إلى الأبد بعد أن أدت رسالتها، واختفت الرموز من إطارها. عاشت ليلى حياتها تنشر الحكمة، وتحكي للأطفال عن زمنٍ رأته في مرآة لا تعكس سوى القلوب.
هل نملك جميعًا مرآتنا الخاصة؟
قصة ليلى تُعلّمنا أن الحقيقة أحيانًا مخفية خلف انعكاس زائف، وأن ما نراه في المرايا قد لا يكون دائمًا الصورة الكاملة. نحن نملك جميعًا مرآة داخلنا، مرآة تكشف لنا من نكون حين نجرؤ على النظر بعمق.