حكاية من التراث تنبض بالحكمة والمكر
في قلب الريف العربي القديم، حيث الحقول الخضراء، والمراعي المفتوحة، كانت الحكايات تنتقل من جيل إلى جيل، تحمل في طياتها الدروس والعِبر. من بين تلك القصص، برزت حكاية غريبة وطريفة تُروى عن محتال ماكر وحمار بريء، قصة تمزج بين الخداع والبساطة، وتُسلط الضوء على كيف يمكن للذكاء أن يُستخدم في الخير أو الشر. في هذه القصة الشيّقة، سنتعرّف على كيف تحوّل حمارٌ بسيط إلى وسيلة لخداع الناس، وما النهاية التي تنتظر من يظن أنه أذكى من الجميع.
قصة المحتال، قصة الحمار، قصص حكم ومواعظ، قصص عربية طويلة، قصص للأطفال، المحتال الذكي، عبرة وعظة
قصة المحتال والحمار | حيلة ماكرة ودرس لا يُنسى
المحتال الغامض يدخل القرية
كان يا مكان، في قديم الزمان، دخل رجل غريب إلى قرية هادئة تقع بين الجبال والوديان، لا يعرفه أحد من أهل القرية. كان هذا الرجل يرتدي ثيابًا بسيطة، ويحمل كيسًا صغيرًا على ظهره، ويجرّ خلفه حمارًا هزيلًا يبدو وكأنه لم يأكل منذ أيام. بدا عليه الفقر والبؤس، لكن ما لم يعرفه أحد هو أن هذا الرجل لم يكن فقيرًا على الإطلاق، بل كان محتالًا بارعًا في تقمص الأدوار.
سار الرجل في سوق القرية ينادي:
"من يشتري هذا الحمار العجيب؟ حمار لا مثيل له في الذكاء!"
ضحك الناس من قوله، فمن يشتري حمارًا هزيلًا؟ لكنهم لم يعلموا أن المحتال كان يُعدّ لمسرحية خداع مُتقنة.
بداية الخدعة الكبرى
في اليوم التالي، وقف المحتال وسط السوق، وأخرج من كيسه كيسًا صغيرًا مملوءًا بالذهب الوهمي، وبدأ يهمس في أذن الحمار ويقول:
"اذهب يا حمار، واشترِ لي بعض الجزر من السوق."
ثم ربط الكيس برقبة الحمار، وصفّر له صفيرًا خفيفًا، فانطلق الحمار يجري بين الناس. لم يكن هناك سحر ولا ذكاء خارق، بل كان قد درّب الحمار مسبقًا على السير نحو بائع الخضار المحدد، والذي كان شريكًا له في الخدعة.
اشترى الحمار الجزر بالفعل، وعاد إلى صاحبه وسط دهشة الناس، فبدأت الهمسات تنتشر بين سكان القرية:
"هل هذا حمار أم إنسان متنكر؟!" "ما هذا الحمار الذي يفهم الأوامر؟"
الحمار العجيب يثير فضول الأغنياء
في غضون أيام، أصبح الحمار حديث القرية، وبدأ كبار التجار والأغنياء يتهافتون على المحتال، عارضين عليه المال مقابل شراء هذا الحمار الذكي. لكن المحتال، في كل مرة، كان يرفض العرض قائلاً:
"هذا الحمار هو مصدر رزقي، لا أفرّط فيه بسهولة."
وبهذه الطريقة، ارتفعت قيمة الحمار يومًا بعد يوم، حتى عرض عليه أحد أثرياء القرية مئة قطعة ذهبية لشرائه.
هنا فقط، تظاهر المحتال بالتردد، ثم وافق على البيع بشرط أن لا يُفرّط المشتري في صفارة التدريب الخاصة بالحمار، فهي السر في ذكائه، حسب زعمه.
انكشاف الخدعة والصحوة المتأخرة
أخذ التاجر الحمار وصفارته، وحاول أن يكرر التجربة، لكن الحمار لم يتحرك خطوة. صرخ التاجر، صفّر، صرخ مجددًا، بلا جدوى.
تجمّع الناس، وبدأت الضحكات تعلو والشكوك تزداد. وعندما حاول التاجر البحث عن المحتال، اكتشف أن الرجل قد غادر القرية فجرًا، ومعه الذهب الذي باع به "الحمار العجيب".
هكذا فهم التاجر وكل أهل القرية أنهم كانوا ضحية خدعة بارعة، وأن الحمار لم يكن أكثر من أداة في مسرحية ماكرة رسمها المحتال بإتقان.
الدرس الذي تعلّمه أهل القرية
جلس التاجر يضرب كفًا بكف، وأهل القرية يلومون أنفسهم. ومنذ ذلك اليوم، انتشرت بين الناس حكمة جديدة:
"من صدّق أن الحمار تاجر، فليُعدّ نفسه لخسائر كثيرة!"
ومنذ تلك الحادثة، أصبح سكان القرية أكثر حذرًا، لا يصدقون كل ما يُقال، ولا ينجذبون وراء المظاهر البراقة.
حيلة ماكرة ودرس لا يُنسى
قصة المحتال والحمار ليست مجرد حكاية للتسلية، بل هي رسالة بليغة تُبرز أن الذكاء حين يُستخدم في الخداع، قد يُنتج مكاسب مؤقتة، لكن أثره في نفوس الناس يدوم طويلًا. كما تعلّمنا أن الثقة الزائدة دون تدقيق، قد تفتح الباب للمحتالين، وأن البساطة لا تعني الغباء، ولا الغرابة تعني الذكاء.
وهكذا، تبقى هذه القصة درسًا تتناقله الأجيال، وتُثبت أن في عالمنا، لا بد من قليل من الفطنة، وكثير من الحذر، حتى لا نكون يومًا مثل من اشترى "حمارًا ذكيًا" ففقد ذهبه وضحك عليه الجميع.