قصة بلقيس ملكة سبأ وعلاقتها الغريبة بالجن: سرّ الميلاد المدهش والنهاية المهيبة
امرأة حكمت الرجال وتحدّت الأساطير
عندما نسمع اسم "بلقيس" تتبادر إلى أذهاننا قصتها مع النبي سليمان عليه السلام، تلك التي خلدها القرآن الكريم في آياته، ولكن القليل منّا يعرف التفاصيل الخفية عن نشأتها الغريبة، وظروف ولادتها العجيبة، وعلاقتها الغامضة بعالم الجن. في هذه القصة، سنغوص في أعماق التاريخ والأسطورة لنكشف خيوط قصة "بلقيس بنت الهدهاد السبئي"، التي حيّرت المؤرخين وأدهشت القُراء، لما تحمله من أسرار غامضة ووقائع عجيبة لم تُروَ إلا في بعض المصادر النادرة مثل "البداية والنهاية لابن كثير" و"كتاب التيجان".
من هو الملك الهدهاد؟ بداية الرحلة نحو المجهول
في إحدى الممالك العربية القديمة، وتحديدًا في أرض سبأ باليمن، كان يحكم الملك الهدهاد، أحد أعظم ملوك الزمان، والمعروف بجرأته وشجاعته. وفي يوم من الأيام، خرج الملك في رحلة صيد مع عدد من جنوده، فشاهد مشهدًا غريبًا: ذئبٌ يطارد غزالة بريئة حتى حاصرها، فتدخل الملك ببسالة لإنقاذ الغزالة ودفع الذئب بعيدًا عنها.
لكن ما لم يكن يعلمه الملك أن هذه الغزالة ليست كما تبدو.
مدينة مأرب الغامضة: ظهور الجن وملكهم العجيب
تتبع الملك الهدهاد الغزالة التي أنقذها حتى ابتعد عن جنوده، ووجد نفسه في وادٍ تحيط به القصور الشاهقة والنخيل والأنهار، مدينة لا تشبه مدن البشر. فجأة، ظهر أمامه رجل حسن الهيئة، رحّب به بحرارة، وقال له: "أهلاً بك يا هدهاد في مأرب، المدينة التي سُميت على اسم بلدك، وهذه أحد أحياء مملكتنا، وأنا ملك الجن واسمي اليلب بن صعب."
اندهش الملك من الكلام، لكنه تابع حديثه، ثم مرت من أمامه فتاة من شدة جمالها توقّف الزمن بين ناظريه، فابتسم ملك الجن وقال له بدهاء: "هل تعرفها؟ إنها الغزالة التي أنقذتها قبل قليل، وقد عادت إلى هيئتها الحقيقية، إنها ابنتي بلقمة بنت شيصبان، وأنا أزوجها لك مكافأةً لك."
زواج من عالم الجن: أسطورة أم حقيقة؟
لم يُصدّق الملك ما سمعه، لكن ملك الجن طمأنه وأخبره أن الجن يمكن أن يتجسدوا في صور حيوانات، وأن الذئب يستطيع قتلهم، لذلك تدخل الملك في الوقت المناسب.
وافق الملك الهدهاد على الزواج، فطلب منه ملك الجن أن يعود بعد شهر مع أقربائه وملوك قومه، ليقيموا عرسًا عظيمًا.
وبعد شهر، عاد الملك إلى نفس المكان، فوجد قصرًا رائعًا شُيِّد من ذهب ومرجان، تحفه الأشجار والثمار، فأقام وليمة ضخمة دامت ثلاثة أيام، ثم زُفّت إليه العروس بلقمة.
هكذا بدأ اتحاد نادر بين عالم الإنس وعالم الجن، وأسفر عن مولودة تُعد من أعظم نساء التاريخ بلقيس.
ولادة بلقيس: ميلاد استثنائي لعقل استثنائي
بعد مرور عام، رزق الملك الهدهاد وزوجته بلقمة بمولودة جميلة أسموها بلقيس. ومنذ نعومة أظافرها، بدت عليها علامات النباهة والذكاء، فقد كانت سريعة البديهة، حادة الذكاء، وذات فطنة لا مثيل لها.
شبّت بلقيس لتصبح امرأة ذات رأي وحكمة، فاختارها والدها لتكون وليّة عهده وخليفته في حكم المملكة، رغم اعتراض الرجال وزعماء القبائل على فكرة أن تحكمهم امرأة. ولكن ما لبث أن تغيرت الأحوال، وأصبح الجميع يُجمع على قوة شخصيتها وبعد نظرها.
محنة الحكم: الطامعون لا يرحمون
عقب وفاة الملك الهدهاد، جلست بلقيس على العرش، لكنها وجدت نفسها في مواجهة استياء شديد من قومها، فكانوا لا يتقبلون فكرة أن تحكمهم امرأة.
وقد تسرّبت هذه الأصداء إلى خارج المملكة، فسمع بها ملك يُدعى عمرو بن أبرهة، رأى في ضعف ولاء الناس لبلقيس فرصة للاستيلاء على العرش.
بدأ أبرهة بزرع الفتن والانشقاقات في مملكة سبأ، مما أجبر الملكة بلقيس على اتخاذ خطة جريئة للغاية.
تنكُّر الملكة ومقتل أبرهة: ذكاء أنثوي لا يُضاهى
تنكّرت الملكة بلقيس في زيّ رجل، وخرجت من قصرها دون أن يُدرك أحد، وسافرت حتى وصلت إلى مجلس أبرهة، فدخلت عليه وقدمت له النبيذ، وبقيت تسقيه حتى أسكرته تمامًا.
وعندما غابت عنه الحيلة والوعي، اغتنمت الفرصة وطعنته بسيفها، ثم لاذت بالفرار، وعادت إلى مملكتها بعد أن تخلّصت من خصمها الأشد.
بهذا الانتصار، استعادت بلقيس ثقة شعبها، وفرضت احترامها وهيبتها، واستمرت تحكم سبأ بذكاء وعدل.
عصر بلقيس الذهبي: ازدهار لم تعرفه سبأ من قبل
في عهد الملكة بلقيس، تحولت مملكة سبأ إلى قوة عظمى في جنوب الجزيرة العربية، وشهدت ازدهارًا اقتصاديًا وتجاريًا وعمرانيًا لا مثيل له. أنشئت القنوات والسدود، وتوسعت القوافل التجارية، وأصبحت سبأ ملتقى القوافل بين الشام واليمن والهند.
وقد تميزت بلقيس بقدرتها على تحقيق التوازن بين القوة والرحمة، فكان عصرها يُضرب به المثل في الحكمة والرخاء.
قصة بلقيس في القرآن: اللقاء مع النبي سليمان
بلغت شهرة بلقيس آفاق الأرض، حتى وصل خبرها إلى النبي سليمان عليه السلام. وقد قصّ القرآن الكريم قصتها باحترام وإجلال في سورة النمل، حيث أُعجِب النبي سليمان بحكمتها ودهائها، بعدما أرسلت إليه هديةً قبل أن تزوره بنفسها.
ولما حضرت بين يديه، وأدركت ما وهبه الله من نعم، أسلمت وقالت: "ربّ إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله ربّ العالمين".
وهكذا اختُتمت قصة بلقيس، امرأة من الجن والبشر، جمعت بين الجمال والذكاء، وبين الأسطورة والحقيقة.
خاتمة: بلقيس المرأة التي جمعت بين المُلْك والدهاء
قد تكون قصة ولادة بلقيس أسطورية أو رمزية، لكن الأكيد أن شخصيتها قد سطّرت تاريخًا استثنائيًا لامرأة حكمت في زمن لم يكن فيه للنساء نصيب من الحكم.
سواءً وُلدت من الجن أو لا، تبقى بلقيس رمزًا للدهاء، والقوة، والاستقلال، وعلامة فارقة في سجل الحضارات العربية القديمة.
بلقيس ملكة سبأ
بلقيس والجن
قصة بلقيس مع النبي سليمان
ملكة سبأ اليمن
قصص تاريخية عربية
أساطير العرب القديمة
بداية بلقيس
مملكة سبأ القديمة
قصص حقيقية غريبة
ملكات من التاريخ