📁 جديد القصص

قصة سيدنا موسى وفرعون: عبرة لكل طاغية تجبر في الأرض

قصة سيدنا موسى وفرعون: عبرة لكل طاغية تجبر في الأرض

قصة سيدنا موسى وفرعون: واحدة من أعظم القصص القرآنية التي تُظهر صراع الحق والباطل، وتقدّم دروسًا في الصبر والإيمان، وعبرة خالدة لكل طاغية متجبر.


صراع الحق والباطل منذ الأزل

منذ فجر التاريخ، والحق والباطل في صراع لا ينتهي، وبين يدينا اليوم واحدة من أعظم القصص التي خلدها القرآن الكريم، قصة سيدنا موسى عليه السلام وفرعون الطاغية الذي ادّعى الألوهية.
إنها قصة الإيمان والتحدي، قصة نبيّ مؤمن واجه أعظم جبّار عرفته البشرية، ليُظهر الله من خلالها أن العاقبة دائمًا للمتقين.

مولد نبي في زمن الخوف

وُلد سيدنا موسى عليه السلام في زمنٍ كان فرعون فيه يبطش ببني إسرائيل بلا رحمة.
كان فرعون قد رأى في منامه أن طفلًا من بني إسرائيل سيولد ويكون سببًا في زوال ملكه، فاشتدّ طغيانه وأمر بقتل كل مولود ذكر من بني إسرائيل.

لكن قدرة الله فوق كل شيء، فقد حفظ موسى عليه السلام بطريقة عجيبة، إذ أوحى الله إلى أمه أن تضعه في تابوت وتُلقيه في اليمّ (النيل)، مطمئنًا قلبها بقوله تعالى: "إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ"

وهكذا بدأت المعجزة.

نشأة موسى في قصر فرعون

لم يكن أحد يتصور أن الطفل الذي أراد فرعون قتله سيعيش في قصره نفسه!
التقطت آسية زوجة فرعون التابوت من النهر، فلما فتحت الغطاء، وجدت طفلًا جميلاً يشع منه النور.
قالت آسية: "قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ، لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا"

كبر موسى عليه السلام في بيت العدوّ نفسه، في قصرٍ مليء بالترف والذهب، لكنه لم ينس أصله، فقد تربّى على الرحمة والعدل، وكان قلبه يميل دائمًا إلى المستضعفين من قومه بني إسرائيل.

الحدث المفصلي: موسى يقتل المصري

في يومٍ من الأيام، وجد موسى عليه السلام رجلين يقتتلان، أحدهما من بني إسرائيل والآخر من قوم فرعون.
توسل إليه الرجل الإسرائيلي أن ينقذه، فدفع موسى خصمه بيده فمات في الحال دون قصد.
فزع موسى من فعلته، وقال خاشعًا: "رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي"

فغفر الله له، لكنه أصبح مطاردًا بأمر فرعون الذي أراد قتله.
حينها خرج موسى من مصر خائفًا يترقب، لا يعلم إلى أين يتجه، لكنه كان واثقًا أن الله معه.

موسى في مدين: بداية حياة جديدة

سار موسى عليه السلام مسافات طويلة حتى وصل إلى مدينة تُدعى “مدين”.
وهناك رأى مشهدًا غريبًا: فتاتين تحاولان سقي أغنامهما من بئر، لكن الرجال يمنعونهما.
فتقدم موسى وسقى لهما بكل شهامة، ثم جلس تحت ظل شجرة وقال: "رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ"

لم تمر ساعات حتى جاءت إحداهما تدعوه لمقابلة أبيها الصالح “شعيب عليه السلام”.
زوجه شعيب إحدى ابنتيه وعمل عنده سنين طويلة، في استقرار وسكينة بعد رحلة الخوف والهروب.

الوحي الإلهي: اللقاء عند النار

بعد سنوات من السكينة، قرر موسى العودة إلى مصر.
وفي طريق العودة، وبينما كان يسير في الصحراء الباردة مع أهله، أبصر نارًا من بعيد، فقال لأهله: "إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ"

اقترب من النار، فإذا به يسمع النداء العظيم من فوق جبل الطور: "يَا مُوسَى، إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ"

هنالك اختار الله موسى رسولًا، وأمره أن يذهب إلى فرعون ويدعوه إلى عبادة الله وحده.
أُعطي موسى معجزتين:
عصاه التي تتحول إلى حية.

يده التي تخرج بيضاء دون سوء.

المواجهة الكبرى: موسى أمام فرعون

دخل موسى على فرعون يدعوه بلطف إلى الإيمان قائلاً: "يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ"

لكن فرعون استكبر وقال ساخرًا: "أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا؟"
ثم أعلن كفره بوضوح: "أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى"

واجهه موسى بالمعجزات الباهرة، فألقى العصا فإذا هي حية تسعى، وأخرج يده فإذا هي بيضاء للناظرين.
لكن فرعون اتهمه بالسحر، وجمع السحرة من أنحاء البلاد ليتحدّوه.

يوم الزينة: تحدي السحرة

في يومٍ مشهودٍ أمام الناس، وقف موسى والسحرة وجهاً لوجه.
ألقى السحرة حبالهم وعصيّهم فإذا هي تسعى كأنها حيات حقيقية، فخاف موسى في نفسه.
لكن الله طمأنه بقوله: "لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى"

فألقى موسى عصاه، فإذا بها تلقف ما صنعوا، فعرف السحرة أن ما جاء به ليس سحرًا بل معجزة من الله.
فسجدوا مؤمنين قائلين: "آمَنَّا بِرَبِّ مُوسَى وَهَارُون"

عندها اشتد غضب فرعون وبدأ يُعذّب المؤمنين، لكنه لم يستطع إيقاف دعوة الحق.

الهروب من فرعون: المعجزة الكبرى

بعد أن اشتد ظلم فرعون لبني إسرائيل، أمر الله موسى أن يخرج بهم ليلاً من مصر.
فلما علم فرعون، جمع جنده وسار خلفهم في جيشٍ عظيم، حتى أدركهم عند البحر.
عندها قال قوم موسى في خوف: "إِنَّا لَمُدْرَكُونَ"

لكن موسى عليه السلام، بثقة المؤمن، قال: "كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ"

فأوحى الله إليه أن يضرب البحر بعصاه، فانفلق البحر اثني عشر طريقًا يابسًا، وسار بنو إسرائيل بأمان.
وحين دخل فرعون وجنوده البحر، أمر الله الماء أن يعود كما كان، فغرق فرعون وهو يصرخ: "آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ"
لكن بعد فوات الأوان.

نهاية الطغيان: عبرة لكل زمان

غرق فرعون ومعه جيشه، وظلت جثته محفوظة عبر العصور ليكون آية لكل من يتكبر على الله.
قال تعالى: "فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً"

وهكذا انتهت قصة الطغيان والجبروت، وبقيت عظة خالدة لكل ظالمٍ يتكبر في الأرض بغير الحق.

العبرة والخاتمة: النصر للحق ولو بعد حين

قصة سيدنا موسى وفرعون ليست مجرد حكاية من الماضي، بل هي درس متجدد للأجيال.
إنها تذكّرنا بأن الظلم مهما طال، فله نهاية، وأن الله دائمًا يُمهل ولا يُهمل.
فيها عبرة للمؤمنين أن يتمسكوا بالحق، وأن يثقوا بأن النصر من عند الله وحده.

فكل طاغية له ساعة يسقط فيها، وكل مظلوم له فجر يُشرق بعد ليلٍ طويل.

خلاصة القصة:

الحق ينتصر مهما كانت قوة الباطل.

الإيمان بالله يمنح القوة والثبات.

التوكل على الله سبيل النجاة.

الطغيان طريق الهلاك.