📁 جديد القصص

قصة الأشجار الثلاثة: حكمة السنديانة العظيمة التي غيّرت الغابة

بين أغصان الغابة وسكون الحكمة

في أعماق غابةٍ خضراء، كانت الأشجار تحكي قصصًا لا تنتهي، حيث تمرّ السنوات وتتغير الفصول، لكن الحكمة تبقى مغروسة في جذوع البعض منها، تحرس الغابة كما تحرس الأم أبناءها. وبين كل الأشجار، كانت ثلاث شجرات يقف كل منها في موضعٍ مختلف، يعكس شخصيتها وطموحاتها. لم تكن مجرد أشجار، بل كائنات تنبض بالأمل والغيرة والحنين، وفي مركز هذه القصة، تقف "السنديانة الحكيمة"، شاهدةً على كل ما جرى.

هذه القصة ليست مجرد حكاية أطفال، بل هي درس خفيّ لكل من يسعى لفهم الحياة والاختيار الصحيح.

قصة حكمة سنديانة (الاشجار الثلاثة)

بداية الحلم: الأشجار الثلاثة وتمنيات السماء

في زاوية من الغابة، نمت ثلاث شجرات صغيرة: سنديانة، وصنوبرة، وبلّوطة. كانت كل شجرة تنظر إلى السماء وتحلم بمستقبل مختلف.

قالت السنديانة: "أريد أن أصبح مركبًا قويًا، يشقّ البحار وينقل الناس إلى أحلامهم."

وقالت الصنوبرة، وهي تنظر إلى الجبال البعيدة: "سأصبح برجًا عاليًا يباهي السحاب، ليراني الجميع من بعيد!"

أما البلّوطة، فحلمها كان بسيطًا: "أريد فقط أن أظل هنا، أمدّ ظلي للطيور والحيوانات وأحمي العصافير الصغيرة."

ضحكت الأشجار من البلّوطة، وقلن لها: "أين الطموح في ظلك؟!"

لكن البلّوطة ابتسمت، فثمة حكمة لا تفهمها الطموحات الزائفة.

تقلبات الحياة: الفأس لا يسأل عن الأحلام

مرت السنوات، واشتد عود الأشجار. ذات يوم، دخل إلى الغابة نجّار يبحث عن خشب جيد ليصنع منه شيئًا ثمينًا.

اقترب من السنديانة وقال: "هذا الخشب قوي، مناسب لصناعة نعش فاخر للملك الراحل."

صُدمت السنديانة، فقد أرادت أن تكون مركبًا لا نعشًا، لكنها لم تستطع الرفض.

ثم اقترب من الصنوبرة وقال: "هذا الخشب مستقيم، سأصنع منه عمودًا لمعبد بعيد."

تساءلت الصنوبرة في ألم: "ألن أرى السماء عن قرب؟ ألن أصبح برجًا؟"

أما البلّوطة فلم يقترب منها أحد. بقيت في مكانها، تمدّ ظلها وتحتضن العصافير.

السنديانة تتكلم: حين تشرق الحكمة من الألم

في صمت الليل، تكلّمت السنديانة من قلب النعش: "كنت أحلم بحمل الأحياء، فإذا بي أحمل الموتى. لكن الموت ليس دائمًا نهاية، ربما أنا الآن أحمل أحد أعظم الرجال الذين سيُذكرون في التاريخ."

أما الصنوبرة، فكانت في المعبد، تحمل القناديل وتستمع للتراتيل. فهمت هناك أن الرفعة ليست في العلو فقط، بل في خدمة الروح.

أما البلّوطة، فاستمرت في الحياة، تمد الأغصان وتغذي جذورها. وكانت الطيور تأتيها كل يوم، تشكرها على الظل والثمر والمأوى.

البلّوطة المزروعة في القلوب: ثمرة دون ضجيج

في أحد الأيام، مرت فتاة صغيرة في الغابة، ووقعت أسيرة في المطر. احتمت تحت البلّوطة، وأخذت تقطف من جوزها لتأكل.

قالت في سرّها: "لو لم تكن هذه الشجرة هنا، لضعت. إنها الشجرة الأهم في حياتي."

كبرت الفتاة، وعادت بعد سنين، وغرست بجانب البلّوطة شجرة أخرى. ثم علمت أطفالها أن الحكمة ليست في ما نطمح إليه، بل في ما نقدمه للآخرين في صمت.

الدرس الأخير: السنديانة تختم الرواية

وفي غروب أحد الأيام، هبّت نسمة دافئة، فسمعت البلّوطة صوت السنديانة يهمس: "كلنا كنا نحلم، ولكن البلّوطة فقط فهمت المعنى الحقيقي للحياة. نحن نُصنع لنكون نفعًا، لا مجدًا."

أضاءت الغابة بنور ناعم، وكأن الأشجار كلها اتفقت على معنى جديد للحكمة.

خاتمة القصة: بين الحلم والعطاء، تنمو الحياة

قصة الأشجار الثلاثة ليست مجرد حكاية أطفال، بل رسالة موجهة لكل من يسعى لتحقيق ذاته. ليست كل الأحلام تتحقق بالطريقة التي نريدها، لكن العبرة أن نُبقي جذورنا ممتدة في الأرض، ونصعد بأغصاننا نحو العطاء.

أحيانًا، أعظم النجاحات هي تلك التي لا تُرى، ولكنها تُشعر وتُحسّ، مثل ظلّ شجرة، أو ثمرة صغيرة تسند روحًا متعبة.

إقرأ أيضا :

قصة قصيرة عن المسامحة، قصة الوزير عبد الله