في عالم امتلأ بالظلم، وانتشرت فيه الخرافات والأساطير، كانت الكلمة العليا للقوة والبطش. وسط هذا الظلام، وُلد نور صغير في قلب غلام طاهر القلب، صادق النية. هي قصة تصارع فيها الإيمان مع السحر، وتصادم فيها الصبر مع الطغيان. قصة الغلام والساحر ليست مجرد حكاية، بل دروس خالدة في الثبات على الحق حتى آخر رمق.
قصة الغلام والساحر
الفصل الأول: الغلام الصغير والطموح الكبير
في زمان بعيد، كان هناك ملك عظيم لا يعلو فوق سلطانه شيء، وكان حكمه مبنيًا على الخوف والخداع. استعان هذا الملك بساحر قوي، كان يسحر أعين الناس، ويوهمهم بعجائب زائفة تجعلهم يؤمنون بجبروت الملك وقدرته الخارقة.
ومع مرور السنين، دب الضعف في جسد الساحر، فخشي أن يوافيه الأجل دون أن يخلف وراءه من يحمل لواء السحر لخدمة الملك. ذهب إلى الملك قائلاً: "مولاي، إني قد شخت، وإن السحر الذي تحكم به الناس لن يستمر بعد موتي، فابعث إليَّ بغلام أعلمه أسرار السحر قبل أن يدركني الموت."
استجاب الملك دون تردد، وأمر حاشيته بالبحث عن غلام ذكي، لامع العينين، سريع الفهم. وبعد تفتيش في أنحاء المملكة، وجدوا غلامًا فقيرًا يعيش مع والدته، لكنه كان يتمتع بذكاء نادر وروح حية.
وافق الغلام على الذهاب إلى قصر الساحر، طامحًا في التعلم، لكنه لم يكن يدري أن حياته ستتغير إلى الأبد.
الفصل الثاني: الطريق إلى الساحر والراهب
بدأ الغلام رحلته اليومية إلى قصر الساحر. كان طريقه طويلًا وشاقًا، يعبر خلاله بين الأحياء الفقيرة والأسواق الصاخبة، حتى يصل إلى دار الساحر، حيث يتعلم ألوان الحيل والخدع.
وذات يوم، وبينما هو يسير، لمح رجلًا غريب الهيئة، جالسًا بجوار شجرة عظيمة. كان الراهب يرتدي ملابس بسيطة، وعلى وجهه سكينة غريبة تخترق القلوب. دعاه الراهب للجلوس، وحدثه عن الله، عن الإيمان، عن الحق الذي لا يغلبه باطل.
شعر الغلام بشيء يتحرك في أعماقه لم يشعر به من قبل. كانت كلمات الراهب كالبلسم على قلبه المتعطش للحق. ومنذ ذلك اليوم، صار الغلام يقسم طريقه: بعض الوقت مع الساحر، وبعضه مع الراهب.
ومع مرور الأيام، أدرك الغلام أن ما يتعلمه من الراهب أسمى وأصدق مما يلقنه الساحر من شعوذات. كان قلبه يميل شيئًا فشيئًا إلى الإيمان، إلى الله الواحد الأحد.
لكن وجوده بين العالمين لم يكن سهلاً؛ كان يُعاقب إذا تأخر عن الساحر أو أهله، فنصحه الراهب بأن يحتال قائلًا: "إذا خشيت من الساحر فقل: أخرتني أمي، وإذا خشيت من أهلك فقل: أخرني الساحر."
وهكذا، بدأ الغلام يعيش حياة مزدوجة، قلبه مع الله، وجسده بين يدي الساحر.
الفصل الثالث: أولى معجزات الغلام
مرت الأيام، وكبر الإيمان في قلب الغلام، حتى جاء اليوم الذي تحددت فيه مصيره.
بينما كان في طريقه، وجد الناس مجتمعين حول دابة هائلة، حبست الطريق، وأرعبت العابرين. وقف الغلام يتأمل المشهد، ثم رفع بصره إلى السماء وقال بثقة: "اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة."
رماها بحجر صغير، فإذا بها تسقط صريعة، وانفتح الطريق للناس.
انبهر الجميع مما حدث، وذاع صيت الغلام. أما هو، فقد جرى إلى الراهب يقص عليه ما حدث، فأجابه الراهب بابتسامة حزينة: "يا بني، أنت اليوم أفضل مني، وستبتلى، فإن ابتُليت فلا تدل علي."
كان الغلام يفهم أن طريق الإيمان ليس سهلاً، لكنه لم يكن يتخيل حجم الابتلاء الذي ينتظره.
الفصل الرابع: الغلام ومعجزاته تنتشر
بدأ الناس يقصدون الغلام من كل صوب، طلبًا للشفاء والمعجزات. كان يبرئ الأكمه، والأبرص، ويشفي المرضى بإذن الله.
وذات يوم، جاءه جليس الملك، وكان رجلاً ضريرًا. حمل معه صناديق من الذهب والهدايا الثمينة، وقال للغلام بصوت متوسل: "اشفني ولك كل هذا."
لكن الغلام لم ينسَ تعاليم الراهب، فرد قائلًا: "لست أنا أشفي، بل الله هو الشافي. فإن آمنت به، دعوت الله فشفاك."
لم يتردد الرجل، ونطق بالشهادتين من قلبه. دعا الغلام ربه بصدق، وإذا بالرجل يبصر وكأن عينيه لم تعرفا العمى يومًا.
الفصل الخامس: غضب الملك واكتشاف الإيمان
عندما عاد الجليس إلى مجلس الملك، تعجب الملك من شفائه، وسأله: "من شفاك؟!"
فقال الرجل بشجاعة: "ربي الله."
ثار الملك كالبركان، وصرخ غاضبًا: "ألك رب غيري؟!"
وأمر بتعذيبه حتى دل على الغلام.
جيء بالغلام إلى مجلس الملك، فسأله بصوت مملوء بالتهديد: "ألك رب غيري؟!"
أجاب الغلام بثبات لا يزعزعه شيء: "ربي وربك الله."
فاشتد الغضب في قلب الملك، وأمر بتعذيب الغلام عذابًا شديدًا، لكنه صبر وثبت على الحق، لا يلين.
الفصل السادس: محاولات قتل الغلام الفاشلة
أراد الملك التخلص من الغلام بكل الوسائل، فأمر جنوده أن يأخذوه إلى قمة جبل شاهق ويلقوه من أعلاه.
اصطحب الجنود الغلام، ولما بلغوا القمة، دعا الغلام ربه قائلًا: "اللهم اكفنيهم بما شئت."
فاضطرب الجبل، وسقط الجنود جميعًا عن السفح، بينما نجا الغلام سالمًا، وعاد إلى الملك كما هو.
غضب الملك أكثر، وأمر بحمله في قارب إلى وسط البحر، ليغرقوه هناك. وعندما توسطوا البحر، رفع الغلام يديه إلى السماء وقال: "اللهم اكفنيهم بما شئت."
هبت رياح عاتية، وقلبت القارب، وغرق الجنود جميعًا، ونجا الغلام مرة أخرى.
عاد الغلام إلى الملك للمرة الثالثة، كأنما القدر يسخر من محاولاته.
الفصل السابع: النصر الأخير وانتشار الإيمان
قال الغلام للملك بهدوء: "إنك لن تقتلني إلا كما آمرك."
سأله الملك: "وكيف ذلك؟!"
أجاب الغلام: "اجمع الناس في صعيد واحد، واصلبني على جذع، وخذ سهمًا من كنانتي، ثم قل: بسم الله رب الغلام، ثم ارمني."
اضطر الملك أن يرضخ لطلب الغلام. جمع الناس من كل أنحاء المملكة، وصلب الغلام على جذع، وأخذ سهمًا من كنانته، ثم قال بصوت مرتجف: "بسم الله رب الغلام."
ورمى السهم، فأصاب الغلام في رأسه، ومات.
ولكن المفاجأة الكبرى كانت حين هتف الناس جميعًا بصوت واحد: "آمنا برب الغلام!"
ارتجت المملكة كلها تحت وقع الإيمان الذي انتشر رغم قسوة الطغيان.
خاتمة القصة: التضحية في سبيل الإيمان
لم ينتهِ الأمر عند موت الغلام، بل بدأ عهد جديد من الإيمان. حاول الملك قمع الثورة الإيمانية، فأمر بحفر الأخاديد، وأشعل فيها النيران، وألقى فيها كل من آمن بالله. سقط الرجال والنساء، حتى امرأة تحمل طفلًا على صدرها ترددت قليلًا، فنطق طفلها وقال: "اصبري يا أماه، فإنك على الحق."
وهكذا انتصر الغلام بعد موته، وانتصر الحق رغم أنف الطغاة، وبقيت قصته نورًا يهتدي به السائرون على درب الحق إلى يوم الدين.
إقرأ أيضا: