الإيمان يصنع المعجزات في عالم يموج بالخوف والاضطراب، تتجلى قصص الصبر والتوكل على الله تعالى لتكون منارات للأمل والنور في زمن الظلام. ومن بين هذه القصص الخالدة، تبرز قصة أم موسى عليه السلام كأروع مثالٍ على قوة الإيمان والعزيمة التي تتحدى المستحيل. لقد عانت هذه المرأة المسلمة من ضغط الخوف وهول الموقف عندما تولى فرعون حكم مصر وظلم بني إسرائيل، ولم تجد أمامها سوى اليقين بوعد ربها. في هذه القصة سنغوص في تفاصيل حياتها، ونسلط الضوء على لحظات الألم والرجاء، ونستخلص منها دروسًا ثمينة في الصبر والتسليم لمشيئة الله. الكلمات المفتاحية: قصة أم موسى عليه السلام، الإيمان والتوكل، دروس قرآنية.
قصة أم موسى عليه السلام المتوكله
ظلم فرعون واستعباد بني إسرائيل
في عصور الجاهلية وطبول الجبابرة، شهدت مصر عهدًا من الظلم والسلب على يد فرعون الذي اغترَّ بقوته وجبروته، وأطلق يد جنوده في اضطهاد بني إسرائيل واستعبادهم تحت وطأة العمل الشاق والبناء. كانوا يبنون القصور والمتاحف بينما هم مقيدون بالسلاسل، لا يملكون حرية التنفس أو حقّ الحياة الكريمة. ازدادت قسوة فرعون بعد سماعه بنبؤة تفيد بأن من بين هؤلاء العبيد مولودًا سيأتي ليخلع ملكه ويحرر قومه. فقام بإصدار أوامره الجائرة بقتل كل مولود ذكر يُرى بعد خروجه من بطن أمه، دون رحمة أو إنسانية. في هذه الأجواء المشحونة بمشاعر الخوف والرعب، أصبح كل بيتٍ يتهدده احتمال فقدان فلذات أكباده، وارتفعت أنين الأمهات على مصائر أبنائهن. ظلم فرعون، استعباد بني إسرائيل، أمر قتل المواليد، اضطهاد الأنبياء.
الولادة المليئة بالخوف والألم
وثقت أم موسى أن اللحظة التي أشرقت فيها أنوار حياتها، جاءت مصحوبة بظلالٍ من الخوف والقلق. ففي بيت مضطهدٍ ومراقب، لم تكن ولادة طفلٍ عاديًا، بل كانت معركةً نفسية مع الشيطان والجنود الذين يمكن أن يخطفوا الرضيع في أي لحظة. بينما تلهو آلام المخاض في جوفها، كان قلبها ينبض بحبٍ لا يوصف لصغيرها المنتظر، وفي الوقت نفسه يعتريه هول المشهد إذا ما سمع الجند بكاءه. وبين صرخات الولادة وتنهّدات الألم، استطاعت أم موسى بحمد الله أن تلتقط أنفاسها وتربت على صدر رضيعها الوليد، وتقول في سرها: “اللهم اجعله من عبادك الصالحين.” كان هذا البزوغ الأول للنور في حياة الصغير، قبل أن يبدأ مشوار العذاب والخلاص.
ولادة أم موسى، خوف الأمهات، معاناة المخاض تحت ظل الظلم.
الوحي الإلهي: بتوجيهٍ ربانيٍّ في أحلك الظروف
في خضم ذلك الهلع، نزل الوحي الإلهي هادفًا إلى قلب أم موسى، يطمئنها ويقوي عزيمتها. أمرها ربها بأن ترضع طفلها وتعتني به قدر الإمكان، وإن اشتد الخطر عليها أن تلفه بكساء بسيط، وتضعه في تابوتٍ صغيرٍ محكم، ثم تلقيه في مياه النيل. ووعدها تعالى بقوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا جَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (القصص: 7). هذا التوجيه الرباني شكّل نقطة التحول الكبرى؛ فبدلًا من الاستسلام لليأس، آمنت أم موسى بأن كلام ربها صادق، وأن رحمته وسعت كل شيء. نمت في قلبها بذرة التوكل، واستجمعت كل شجاعة لتنفذ الأمر الذي قد يبدو في الظاهر أشبه بجريمةٍ يقشعر لها البدن.
وحي أم موسى، توجيه رباني، وعد الله، التوكل الحقيقي.
التوكل والعمل بالأسباب: لحظة اختيار المصير
في تلك الليلة الحالكة، وبين خفقات قلبٍ لا يتوقف عن التفكير، حضرت أم موسى تابوت الطفل ولففته بكساءٍ نظيف، حتى لا يصل إلى يديه الجند أثراً للدم. حملته بعنايةٍ وحبٍّ جم، وكأنه الأمان كله في تلك الخشبة الصغيرة. وعندما شعرت بأن الزمن يوشك على الانقضاض عليها، توجهت نحو ضفاف النيل، ولقنت نفسها أدعية لا يعلم مضامينها إلا الله. بخطواتٍ متثاقلةٍ، وضعت التابوت في الماء، وألقت نظرةً أخيرة مليئةً بالدعاء والرجاء. كانت تعلم أن هذه اللحظة تمثل معركةً بين الخوف والأمل، بين الوحشة واليقين. فقررت أن تفعل ما بوسعها، ويترك الأمر لمن هو أرحم الراحمين.
التوكل على الله، العمل بالأسباب، اللحظات الحرجة.
عناية الله: وصول التابوت إلى قصر فرعون
سبحان الذي يسير الأمور بجنود لا تُرى، فقد قذف الله التابوت مع التيار إلى شاطئٍ قصر فرعون العظيم. هناك تناقل الخدم الصغير باندهاشٍ وجماله يجذب الأبصار، فلم يصدقوا أن هذا الرضيع مهشَّم الأصل يأتي من أفواه العبيد. وقد وقع اختيار آسيا، زوجة فرعون، على التابوت الذي لفت انتباهها بنقوشه وزخارفه الدقيقة. دخل الطفل الجديد عالم القصور، حيث رفعت أسيا مكانته وأمرته بأن يُعاش كالملك الصغير، ظنًّا منها أنها بتحسين حياته ترد له شيئًا من حقوقه المسلوبة. {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۚ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا ظَالِمِينَ} (القصص: 8).
قصر فرعون، آسيا امرأة فرعون، نجاة موسى عليه السلام.
اللقاء المؤجل: عودة موسى إلى حضن أمه
مع مرور الأيام، لم يرغب موسى عليه السلام في الرضاعة من مرضعات القصر، فكانت محاولاتهم جميعها تبوء بالفشل. فدعوا أخته الصغيرة لتتبع أثار التابوت، وكانت الأقدار قد قررت أن تكون هذه الأخت جسر الوصل بين الأم والابن. فنادت أخت موسى المرأة التي اعتنت به، وأخبرتها بأن هناك أمًا تقدر على رعايته. وبتدبير الله الخفي، جُمع بين الأم والرضيع من جديد. أُعطيت أم موسى إقامة كريمة داخل القصر، وكانت ترضعه وتعالجه باللطف والعطف الذي لم تعرفه في بيئة العبيد. وبهذا، رُدت مرحلة الطفولة المبكرة لموسى إلى بيئتها الطبيعية الحانية. عودة موسى إلى أمه، تدبير الله، رعاية الأطفال.
دروس وعبر من قصة أم موسى
الإيمان الصادق: عندما يكون القلب موقنًا بوعد الله، تصبح المستحيلات واقعًا.
التوكل مع الأخذ بالأسباب: التوكل ليس انفصالًا عن العمل، بل عمل بأفضل الإمكانات مع اليقين التام.
الصبر على البلاء: لا خلاص دون صبرٍ ثابت، فالطريق إلى الفرج مرصوفٌ بصبر المؤمنين.
رحمة الله الواسعة: في أحلك اللحظات، تمتد يد الله لترعى عباده وتزيل العوائق أمام قضائه.
قوة الأمومة: عاطفة الأم وصدق الدعاء هما جناحا الرحمة في أصعب المواقف.
خاتمة: الإيمان درب النجاة والبهجة
إن قصة أم موسى عليه السلام تقف أمامنا كلوحةٍ فنيةٍ رائعةٍ تنطق بحقائق الإيمان والتسليم. لم تكن امرأ عادية، بل كانت رائدة في دعم رسالة نبيٍّ كريمٍ لم يلوث قلبه كثرة المآسي. وجدت في نفسها نور اليقين الذي جعلها تتحدى جبروت الطغاة، وتعلن بأن قوة الروح قادرة على تغيير مسار التاريخ. فلنأخذ من هذه القصة ذخيرةً لقلوبنا، ونتعلم كيف نواجه مخاوفنا بالتوكل والصبر، ونسلم أمرنا لله الذي لا يضيع عنده شيء، فما أروع وعده: {مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (التغابن: 11). الكلمات المفتاحية الإضافية: قصص الأنبياء للأطفال، معجزات التوكل، قصة إنقاذ موسى، ثمار الإيمان.
إقرأ أيضا: