في عمق الأرض الخصبة، حيث تبدأ الحياة بأبسط
صورها، تنطلق رحلة طويلة مليئة بالكفاح والأمل. حبة قمح صغيرة، لا تكاد تُرى
بالعين المجردة، تحمل في داخلها سرّ الحياة، وتنتظر لحظة انطلاقها نحو السماء. في
هذه القصة، سنعيش مع هذه الحبة مراحل نموها، ونتعرف على التحديات التي تواجهها، من
العواصف إلى أشعة الشمس الحارقة، ومن الطيور الجائعة إلى الأيدي التي ترعاها
وتحصدها. إنها رحلة كفاح تتحول في نهايتها إلى غذاء يمنح الحياة للآخرين.
قصة سنبلة القمح
بذرة في الأرض
في صباح مشمس، وقف الفلاح العجوز
"سالم" في حقله الواسع، ينظر إلى تربته الخصبة التي أعدّها بعناية. أمسك
حفنة من بذور القمح، تأملها بإعجاب، ثم بدأ ينثرها في الأرض بيدين اعتادتا العمل
والتعب. كانت تلك البذور بداية لحكاية طويلة ستعيشها واحدة منها، لتصبح سنبلة
ذهبية تُروي قصتها للأجيال القادمة.
النمو الأول
مرّت الأيام، وبدأت البذور تنبت، مُخرِجةً
براعم خضراء صغيرة. كانت إحدى هذه البراعم أكثر قوةً من غيرها، كأنها تدرك أنها
ستصبح سنبلة مميزة. كل صباح، كانت تستقبل أشعة الشمس بدفء، وتمتص الماء من التربة
العطشى، وتنمو شيئًا فشيئًا، متحدّية الرياح والأمطار.
مواجهة الرياح
ذات يوم، هبّت عاصفة قوية، تلاعبت بالسّيقان
اليافعة، فانحنت كثيرٌ منها أو انكسرت. لكن سنبلتنا الصغيرة قاومت، وتمسّكت
بجذورها في الأرض بقوة. كانت العاصفة درسًا قاسيًا، لكنها منحتها صلابة لم تكن
تملكها من قبل.
رفاق الحقل
في الحقل الواسع، لم تكن السنبلات وحدها، بل
كانت هناك نباتات أخرى تنمو بجوارها، مثل الأعشاب الضارة التي حاولت أن تسرق غذاء
التربة. لكن الفلاح سالم كان حريصًا على إزالة هذه الأعشاب، مما منح السنابل فرصة
للنمو دون عوائق.
أشعة الشمس الحارقة
جاء الصيف بحرارته اللاهبة، وأصبحت أشعة الشمس
أكثر شراسة. كانت السنابل الأخرى تذبل ببطء، لكن سنبلتنا لم تستسلم. كانت جذورها
قد امتدت عميقًا في الأرض، تبحث عن كل قطرة ماء تُبقيها على قيد الحياة. ومع كل
يوم يمر، كانت تتحول من ساق خضراء إلى سنبلة ذهبية، يزداد وزنها بالحبوب الممتلئة.
لقاء مع الطيور
في أحد الأيام، حطّت مجموعة من الطيور الجائعة
في الحقل، تبحث عن غذائها بين السنابل. شعرت سنبلتنا بالخوف، فقد كانت تخشى أن
تلتهمها الطيور قبل أن تكتمل رحلتها. لكن الفلاح سالم كان يراقب الحقل، واستخدم
الفزّاعة لإبعاد الطيور، فاستطاعت السنابل أن تنجو وتكمل نموها.
نضوج الحصاد
مرّت الأشهر، وأصبح الحقل بحرًا من الذهب. كانت
سنبلتنا قد نضجت بالكامل، وأصبحت ممتلئة بالبذور التي ستُعيد دورة الحياة من جديد.
جاء الفلاح سالم، ونظر إلى محصوله بفخر، ثم بدأ بحصاده، وأخذ السنابل بعناية
ليجمعها في مخازنه.
رحلة إلى الطاحونة
بعد أيام، حُملت سنبلتنا مع غيرها من السنابل
إلى الطاحونة، حيث سُحِقت حبوبها وأصبحت دقيقًا ناعمًا. لم تكن هذه نهاية الرحلة،
بل بداية جديدة.
اختبار جديد
بعد أن أصبح الدقيق جاهزًا، واجه اختبارًا جديدًا،
إذ كان على الفلاح أن يختار أي الطواحين سيأخذ محصوله إليها. فبعض الطواحين كانت
تعمل بآلات حديثة، بينما كان سالم يُفضّل الطاحونة التقليدية التي تستخدم حجر
الرحى. اختار الطاحونة القديمة، حيث تحوّلت السنابل إلى دقيق ناعم برائحة تعب
السنين.
رغيف الحياة
انتقل الدقيق إلى يدي خباز ماهر، أضاف إليه
الماء والملح وعجنه بحب. بعد أن تخمّر العجين، أدخله إلى الفرن، ليخرج رغيفًا
طازجًا تفوح منه رائحة الدفء والكرم.
رحلة إلى السوق
وُضِع الخبز في سلال ونُقل إلى السوق، حيث
اجتمع الناس حوله. كان هناك طفل صغير يمد يده ليأخذ رغيفًا، فابتسم له البائع
وأعطاه واحدًا دون مقابل. شعر الرغيف بالسعادة، فقد كان يعلم أنه سيملأ معدة جائعة.
عطاء بلا حدود
في المساء، وُضِع الرغيف على مائدة عائلة
فقيرة، اجتمع أفرادها حوله، يتقاسمونه بمحبة. شعر الجميع بالشبع والرضا، ولم تكن
السنبلات تعرف أنها أصبحت جزءًا من فرحة العائلة.
بداية جديدة
في صباح اليوم التالي، أخذت الأم حفنة من فتات
الخبز ونثرتها في الحقل القريب، فجاءت العصافير والتقطتها، ثم طارت بعيدًا، وربما
حملت معها بذورًا صغيرة ستنبت في مكان آخر، لتبدأ قصة جديدة من جديد.
وهكذا، انتهت رحلة سنبلتنا، لكنها لم تختفِ؛
فقد تحوّلت إلى قوة تمنح الحياة، تمامًا كما كانت تحلم وهي بذرة صغيرة في الأرض.
إقرأ أيضا: